آراء ومواقف
أخر الأخبار

رأسُ الداءِ واقعُنا الذي صنعناه نحن!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 2 نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 2 نونبر 2023

ما قاله الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون قبل أشهر قليلة عن الإسلام، من كون هذا الدين يعيش أزمة عميقة وخطيرة، وما زال يردد ذلك بمختلف الصِّيَغ بمناسبة حديثه عن حرب غزة، ليس غريبا ولا مُفاجِئا أن يصدر عنه هو بالذات، وهو، “بشهادة شهود من أهله” ومثقفيهم، أضعف وأسوأ رئيس جمهورية في التاريخ الفرنسي الحديث، حتى بعد مقارنته بالرئيس السابق هولاند، الذي كان بدوره ظاهرةَ زمانه من حيثُ ضآلةُ وزنِه داخل فرنسا وأوروبا وخارجهما!!

الشروق نيوز

ليس هذا فقط، فهناك أيضا سوء حال المسلمين أنفسهم، منذ ظهور الجماعات السلفية وفقهائها الذين يُقام ويُقعَد لجهلهم الفظيع بمقاصد الإسلام ومبادئه السمحة والراقية، والذين نظّروا لتنظيمات “القاعدة” و”داعش” و”بوكوحرام” وغيرها من الجماعات الدموية، الشيء الذي كان من الطبيعي أن يُفسح بدوره الفرصة لسِقْطِ مَتاعِ الفرنسيين، وغيرهم من العجم، كي يتقوّلوا في إسلام تعددت رسالاته وشِرْعاتُهُ ومناهجُهُ ولكنه ذو أساس ربّاني واحد، بدليل انتماء أنبيائهم ورسلهم وكتبهم المنزلة إلى دائرته الفسيحة.

المعضلة أننا، أو بالأحرى سوادَنا الأعظم، نتّبع كالأغنام أهلَ العمائم واللحيّ من فقهاء عصرهم، الذين لم يفعلوا بدورهم سوى أنهم اتّبعوا معصوبي الأعين والعقول سلفًا صنعه وأطّره شيخٌ دمويّ يفوق “دراكولا” الأسطوري في دمويّته يقال له “ابن تيمية. هذا الشيخ، الذي ورث عنه المتشددون فتاوي القتل لأي سبب: أقتلوا تارك الصلاة، أقتلوا المرتد، ارجموا الزناة بالحجارة حتى الموت، اقتلوا من بدّل دينه، اقتلوا اليهود والنصارى لأنهم كفار، اقتلوا من يسب النبي بالرغم من استتابته وتوبته جِهاراً… ومن غرائب هذه الفتوى أنها لا تحكم بقتل من يسب رب العزة، فالنبي عند هؤلاء أهم وأقدس من الحق جل وعلا “فيا لها من قسمةٍ ضيزى” (!!!).

المرصد

في السياق ذاته، وعلى سبيل المثال لا الحصر، قال الشيخ شعراوي رحمه الله وغفر له: من ترك الصلاة يُستتاب ثلاثة أيام فإن بقي على حاله يُقتل (هذه الفتوى مسجلة بالصوت والصورة على اليوتيوب: https://www.youtube.com/watch?v=_18qeYtUEfQ).

ليس إذَنْ أمرا غريبا ولا مفاجِئا أن يقول “الغلام” الغبي الأهبل ماكرون ما قاله عن الإسلام، الذي أفسد سمعتَه المسلمون أنفسُهم، مع العلم بأن ماكرون ليس إلا صنيعةَ زوجته ومولاته، ابنة أحد أعلام الماسونية العالمية، التي لا يهدأ بال قادة محافلها إلا بإقامة المزيد من الحفر والحواجز بين من تدّعي الدفاع عنهم من جهة، ومن تتخذهم من جهة أخرى أعداءَ لها، من المسلمين حصراً، منذ نشأتها الأولى من رحم “القبّالة” الإسرائيلية.

نقول بغباء ماكرون لأنه، كمعظم سلفيينا، لا يفهم أن يكون الإسلام في حقيقته دينَ نوح وإبراهيم وداوود وسليمان وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء السابقين عليهم واللاحقين، وأنّ محمدًا إنما جاء ليختم مسيرات هؤلاء جميعًا دون أن يختلف أو يفترق عنهم في المقدمات الإيمانية الكبرى، وفي المبادئ الإنسانية والكونية التي رسّخها القرآن وزكّى سِبغتها العالمية، ومِن هنا كانت بعثته “للناس كافة”، وإنما اختلف عنهم في الشِّرْعَة التي جاء بها لأُمِّ القرى وما حولها، كما ورد في الكتاب الحكيم، وقد وافقت الشرعة المحمدية وواكبت تطور العقل الإنساني، من عقل خرافي أسطوري (الميثولوجيا الإغريقية)؛ إلى عقل مادي وجودي لا يؤمن سوى بالملموسات (قصة بني إسرائيل مع البقرة وإصرارهم على تحديدها بكل تفاصيلها بين باقي البقر)؛ ثم إلى عقل يؤمن بالغيب ويحتكم إلى العلم والمنطق والتجربة العلمية، وهو العقل المسلم افتراضاً.

هذه الإسلاموفوبيا لدى ماكرون، وجهله المدقع بالإسلام، سيكون أفضل رد عليهما هو “مراجعة الذات”، وبطبيعة الحال، دون إهمال الرد الدبلوماسي والسياسي والثقافي، وكذلك الرد الاقتصادي الذي ينبغي أن يكون موجِعا بكل معنى الكلمة.

لكن “ينبغي أن تبقى مراجعة الذات في المقام الأول”، لأن من شأنها أن تحقق لنا هدفين أساسيين على الأقل:

1- التخفيف من سطوة كهنوت ديني يكفي ما ألحقه بفكرنا وفهمنا على مر القرون من شلل وجمود تجاوزا كل المقاييس، وجعلا ثقافتنا في أسفل كل التصانيف العالمية، منذ تعطيله آلية الاجتهاد، ورفضه فكرة مراجعة التراث الفكري وإعادة قراءته  بناء على أسئلة العصر الحديث ووسائله العلمية فائقة التطور؛

2- تحقيق حد أدنى من التوافق وجمع الكلمة بين المنتمين إلى “العقيدة المحمدية” على اعتبار أنها تختم رسالة الإسلام وتُكمّله، وبالتالي ينبغي لهم أن يكونوا في الطليعة وليس في ذيل الترتيب العالمي بين حضارات وثقافات الشعوب والأمم.

نهايته… المشكلة في أساسها الأول مشكلتُنا نحن، أهل الأمة المحمدية، لأننا منذ البداية “انقلبنا على أعقابنا” فتناحرنا وقتّل بعضُنا بعضًا وما زلنا نفعل، وفرّقنا ديننا شِيَعاً وما زلنا نفعل، رغم ورود النهي عن كل ذلك بصريح العبارة القرآنية، وتلك أمُّ مَشاكِلِنا بكل تأكيد، وتحتاج وحدها إلى أكثر من وقفة.

أما ما فعله بنا أو قاله عنا، ولا يزال يفعله أو يقوله الأغيارُ والحالة هذه، قديما وحديثا، من أمثال هذا الرئيس الفرنسي المراهق، فمجرد تفاصيل صغيرة يَنفخُ فيها ويُعَمّقُها سُباتُنا المزمن إلى أن نفيق ذات يوم…

وهل سنستيقظ يوماً ما من هذه الدوخة الملعونة؟.. ذاك هو السؤال!!!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير,

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى