دراسات وأبحاث
أخر الأخبار

اللغة والثقافة: العلاقة المتجانسة بينهما وتأثيرهما على المجتمع وتفاعلاتهما المختلفة (مغرب التغيير – الدار البيضاء 16 مارس 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 16 مارس 2024               ن.حميدان

من المعروف أن اللغة والثقافة مصطلحان مترابطان ومتشابكان مع بعضهما البعض. فكل لغة تشير عادة إلى مجموعة معينة من الناس الذين يتحدثونها، فعندما تتفاعل أنت كشخص مع أي لغة أخرى، فهذا يعني بطبيعة الحال أنك تتفاعل أيضًا مع الثقافة التي تتحدث هذه اللغة وسوف تتعلمها أو تكتسبها وتصبح جزءًا من لغتك وثقافتك بشكل طبيعي ولا إرادي.

استخدام اللغة الملحقة/ اللغة المصاحبة:

التعقيد هو أحد المصطلحات التي يمكنك استخدامها لوصف التواصل بين البشر بعضهم مع بعض، حيث يتم استخدام اللغة الملحقة أو المصاحبة paralanguage لنقل وتوصيل الرسائل بين بعضنا البعض. يعد مصطلح اللغة الملحقة أو المصاحبة خاص ومتأصل بالثقافة، وبالتالي فإن التواصل مع المجموعات العرقية الأخرى يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم. فعندما تكبر في مجتمع معين، من المحتمل أن تتعلم النظرات والإيماءات والتغييرات الطفيفة في الصوت أو النغمة وأدوات الاتصال الأخرى للتأكيد أو تغيير ما تريد أن تفعله أو تقوله. ويتم تعلّم تقنيات الاتصال المحددة لثقافة واحدة في الغالب عن طريق تقليد الناس ومراقبتهم في البداية من الوالدين والأقارب المباشرين، وبعد ذلك من الأصدقاء والأشخاص خارج دائرة الأسرة القريبة والبيئة المحيطة.

وفيما يتعلق بلغة الجسد، والتي تُعرف أيضًا باسم علم الحركة، وهي أكثر أنواع اللغات الملحقة والمصاحبة وضوحًا، والتي تعرف بالمواقف والتعبيرات والإيماءات المستخدمة كلغة غير لفظية. ومع ذلك، من الممكن أيضًا تغيير معنى الكلمات المختلفة عن طريق تغيير طابع أو نبرة الصوت والإيماءات.

موضوع

العلاقة المتماثلة والمتجانسة بين الثقافة واللغة:

دائما ما تستخدم عبارة “اللغة هي الثقافة”، و”الثقافة هي اللغة”، ويذكر ذلك عن بدء المناقشة عن اللغة والثقافة؛ وذلك لأن الاثنين تربطهما علاقة متجانسة رغم أنها تعتبر بطبيعتها علاقة معقدة. تطورت اللغة والثقافة معًا وأثرتا على بعضهما البعض أثناء تطورهما وباستخدام هذا السياق، قال ألفريد ل. كروبر، عالم “الأنثروبولوجيا الثقافية” من الولايات المتحدة الأمريكية، “إن الثقافة بدأت عندما صار الكلام متاحًا” (أي عندما بدأ البشر بالحديث)، ومنذ تلك البداية، أدى إثراء أحدهما إلى إضفاء مزيد من التطور على كليهما.

والحال أنه إذا كانت الثقافة نتيجة لتفاعلات البشر، فإن أعمال الاتصال هي واحدة من مظاهرها الثقافية داخل مجتمع واحد ومعين. حيث قال فيروتشيو روسي-لاندي، الفيلسوف الإيطالي الذي ركز عمله على الفلسفة والسيميائية وعلوم اللغويات أو ما يعرف بعلوم اللسانيات، “إن مجتمع الكلام يتكون من جميع الرسائل التي يتبادلها أفراد هذا المجتمع مع بعضهم البعض وذلك باستخدام لغة معينة تميز هذا المجتمع عن غيره من المجتمعات. وبالطبع، تكون هذه اللغة لغة مفهومة من قِبل جميع أفراد هذا المجتمع”.

التأثير على طريقة تفكير أفراد المجتمع:

إذا كنت معتادًا على مبدأ “النسبية اللغوية”، فإنه ينص على أن الطريقة التي يفكر بها الناس في العالم تتأثر بشكل مباشر باللغة التي يستخدمها الناس لمناقشة الأمور التي تدور حولهم. وقد قال عالم الأنثروبولوجيا واللغويات إدوارد سابير من الولايات المتحدة الأمريكية: “إن العادات اللغوية لمجموعات معينة من الناس هي التي شيّدت وأسست هذا العالم الحقيقي حولنا”. وأضاف: “إنه لا توجد لغتان متشابهتان تمثلان مجتمعًا واحدًا”. فكل مجتمع مختلف عن الأخر، فعلى سبيل المثال، تعد اللغة العربية لغة واحدة ولكنها لغة يتم التحدث بها في كل بلدان الوطن العربي، وهذا يجعلها عرضة للتغيير والاختلاف بين كل دولة وأخرى. ووفقاً لهذا التحليل، فإن التحدث بلغة معينة بشكل جيد يدل على أن متحدثها على وعي ودراية بثقافة هذه اللغة. فمعرفة ثقافة أخرى، بناءً على هذا المبدأ، هو معرفة اللغة الخاصة لهذه الثقافة، ولذلك فالتواصل يعتبَر أحد ضرورات الحياة للعيش، ولفهم تفسيرات وتمثيلات المجتمعات.

التفاعلات بين الثقافات المتعددة:

ما الذي يمكن أن يحدث إذا كان هناك تفاعل بين ثقافتين مختلفتبن؟ في وقتنا الحاضر، تعتبر التفاعلات بين الثقافات شائعة جدًا. فيعد التواصل ضرورة لأي شخص يريد أن يفهم ويتوافق مع الأشخاص الذين تختلف خلفيتهم ومعتقداتهم اختلافًا كبيراً عن معتقدات هذا الشخص. ويمكن تمييز الهوية الثقافية من خلال اللغة، فيمكن  استخدام اللغة للإشارة إلى عمليات وتطورات أخرى مثل شرح النوايا في اللغة بواسطة متحدث معين.

إنّ اللغة المعينة تشير إلى مجموعة ثقافية معينة، فالقيم والافتراضات الأساسية والاتفاقيات السلوكية والمعتقدات والمواقف المشتركة بين مجموعة عرقية تشكل ما نسميه بالثقافة. وتؤثر هذه المجموعة من السمات على سلوك أفراد المجموعة وتفسيراتهم لمعاني السلوك الذي يعرضه كل عضو في المجتمع الواحد، كما يتم التعبير عن مجموعة السمات الثقافية من خلال اللغة. وتُستخدم اللغة أيضًا للإشارة إلى الأشياء الفريدة والتي تخص ثقافة معينة. كل هذا يعني أن تعلم وتعليم لغة أخرى ضروريان للتواصل والتعاون الدوليَيْن. حيث تسهل معرفةُ لغات البلدان معرفةَ الثقافات الخاصة بكل منها.

إسلام ويب

انتقال الثقافة واللغة:

من المعروف أن اللغة هي شيء يتم تعلمه أو اكتسابه، ممّا يعني أنه يمكن نقل اللغة ثقافيًا. إنّ الأطفال يتعلمون في مرحلة ما قبل المدرسة لغتهم الأولى من خلال تعرضهم للكلمات العشوائية التي تواجههم داخل منازلهم وخارجها. وعندما يصلون إلى سن المدرسة يتم تعليمهم إما لغتهم الأولى أو لغة أخرى. فعلى سبيل المثال، يتعلم الطلبة في المدارس العربية لغتهم العربية، وكذلك يتعلمون اللغة الفرنسية أو الإنجليزية. فإذا كانت اللغة التي يتعلمونها هي اللغة الأولى، فإن الأطفال يتعلم الكتابة والقراءة والطرق الصحيحة لبناء الجمل وكيفية استخدام قواعد تلك اللغة. ومع ذلك، فإن المعرفة الأولية للطفل حول البنية الأساسية ومفردات اللغة الأولى هو شيء تم تعلمه قبل أن يذهب الطفل إلى المدرسة، حيث تنتقل الثقافة في جزء كبير منها عن طريق اللغة ومن خلال التدريس.

وتعد اللغة سبب امتلاك البشر لتواريخ لا تمتلكها الحيوانات. ففي دراسة سلوك الحيوان عبر مجرى التاريخ، كانت التغييرات في سلوكهم نتيجة لتدخل البشر من خلال التدجين وأنواع أخرى من التدخل. وكما ذكرنا سابقًا، فإنّ ثقافة البشر تختلف كاختلاف لغات العالم والتي من المحتمل أن تتغير بمرور الوقت. ففي البلدان الصناعية، تعد التغييرات التي تتعرض لها اللغة أسرع ممّا هو الحال في البلدان النامية. وتقدم اللغة المنطوقة كمية هائلة من المعلومات القابلة للاستخدام  في المجتمع،  وهذا يساعد في تسريع اكتساب المهارات الجديدة وكذلك التكيف مع  البيئات الجديدة أو الظروف المتغيرة التي تجري حولنا.

وقد أدى ظهور الكتابة إلى زيادة عملية نشر الثقافة. فمن المتعارف عليه أن للكتابة دورا كبيرا في تسهيل نشر المعلومات، حيث يتم تسريع هذه العملية من خلال زيادة معرفة القراءة والكتابة واختراع الطباعة. كما تساعد التقنيات الحديثة لنقل الاتصالات السريعة في جميع أنحاء العالم، من خلال البث ووجود خدمات الترجمة في جميع أنحاء العالم، في جعل المعرفة القابلة للاستخدام في متناول أيدي الناس في أي مكان من العالم. وهكذا يستفيد العالم من سرعة نقل المعارف الاجتماعية والسياسية والتكنولوجية والعلمية وتوافرها وتبادلها.

الاستيعاب والدمج والتمايز الاجتماعي واللغة:

مع مرور الوقت، ظهر العديد من الاختلافات اللغوية في اللغة. حيث يعد نقل اللغة أمرًا مستدامًا، أي مكتسباً، ما لم يكن هناك تدخل متعمّد من أطراف أخرى. فيحاول الكثير من الناس تعديل لهجاتهم  باللهجة الصحيحة، وذلك من خلال إدخال سمات صوتية ونحوية ومعجمية، وذلك لجعل قيمة لأنفسهم أكبر وأسمى من بقية الأفراد في المجتمعات، وكذلك من أجل قبولهم في المجتمعات جديدة. مثال ذلك: إصرار أهل أوروبا على التحدث باللغة الإنجليزية باللهجة الأمريكية، ولكي يتمكن البعض منهم من تحقيق هدفهم هذا قرروا الانتقال إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لأنهم أدركوا أن التحدث باللغة الإنجليزية الأمريكية هو علامة القبول في وطنهم الجديد وهو المفتاح الذي سوف يحصلون من خلاله على الاحترام والقيمة المرغوب فيها والتي طمحوا إليها داخل المجتمعات. ولكن وبشكل مفاجئ وغير متوقع، يريد الجيل الثالث من هؤلاء المهاجرين، الآن، أن يعود من جديد إلى التواصل مع لغة أسلافهم وأجدادهم الذين اجتهدوا وهاجروا لكي يغيروها… وهذا مناط آخر لبحث مختلف.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر:

1 Language: Readings in Language and Culture Virginia P. Clark, Paul A. Eschholz, Alfred F. Rosa St. Martin’s Press, 1998

2 Claire Kramsch: Language and Culture (Oxford Introductions to Language Study) 1st Edition Culture and Language Use Gunter Senft, Jan-Ola Östman, Jef Verschueren John Benjamins Publishing, 2009.

3- Society and Language Use Jürgen Jaspers, Jef Verschueren, Jan-Ola Östman John Benjamins Publishing, 2010

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى