دراسات وأبحاث

إشكالية الأمية باختصار شديد.. بين تعدُّد الأسباب وتنوُّع المعيقات والمثبطات (مغرب التغيير – الدار البيضاء 21 غشت 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 21 غشت 2024      أ.أ.

ما من شك في أنّ التعليم حق أقرته الشريعة الإسلامية، وشكّل دعامة أساسية لازدهار الحضارة العربية الإسلامية على مر العصور، كما شكل أحد اللبنات الأساسية في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

انطلاقًا منه، فإن حرمان الفرد من حقه في التعليم يعد أحد مظاهر القهر والتسلط وهضم الحقوق، لأنه بالتعليم يتشكل عقل الإنسان وفكره ووعيه السياسي والاجتماعي. ولا تزال الأمية تشكل معضلة تربوية حقيقية في البلدان العربية على الخصوص، حيث تشير الأرقام التي أعلنتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم نقلا عن دليل التنمية البشرية لسنة 2007/2008 الذي أصدرته الأمم المتحدة، إلى أن نحو 30% من سكان الوطن العربي أميون، أي أن هناك 99,5 مليون أمي عربي أعمارهم من 15 عاما فأكثر.

ومن نافلة القول، التأكيد على أن الأمية عقبة تعوق تقدم الفرد، وتعطل تطور المجتمع على مختلف الأصعدة، وتشكل حاجزًا قويًا أمام تحقيق  الأهداف الفردية والجماعية.

أسباب امتناع الأمية على المعالجة:

أما الأسباب التي جعلت الأمية على هذا النحو من الخطورة والامتناع فيُذكر من بين أهمها:

  1. تغير المجتمع الإنساني:

من اعتماد “مبدأ القلة” في التفكير والتخطيط والتنفيذ على مستوى مركزي وسلطوي، إلى اعتماد “مبدأ الكثرة” التي تعني تشارك واسع في تلك العمليات وفي اتخاذ القرارات؛

  1. تبدّل المقومات الاقتصادية:

من الاعتماد على الزراعة بأسلوبها التقليدي إلى الاعتماد على الصناعة المتقدمة، مع ظهور طاغٍ لقطاع الخدمات، ممّا يحتاج إلى تدريب وإعداد يعتمد على قاعدة متطوّرة وواسعة من التقنيات والمهارات لدى الفئات النشيطة من المجتمع.

  1. إصابة الحياة الاجتماعية بالتعقيد:

واضطرار الأفراد إلى الدخول في علاقات تفاعلية وتشارُكية مع المؤسسات الاجتماعية.

  1. التطور السريع في المعرفة البشرية:

حدث هذا التطور على مستوى الكم والكيف، وواكبه تطور تكنولوجيا الاتصال والتواصل وتبادل المعلومات.

كل هذه الأسباب، ولأسباب أخرى غيرها، يصبح الفرد الأمي عاجزًا عن مسايرة الحياة داخل مجتمعه المتغيِّر، وأحيانًا يصعب عليه أن يُساير التحولات الطارئة على أسرته الصغيرة، فيتحول إلى شخص منبوذ أو مُحاط بالإهمال واللامبالاة، وبالتالي إلى مواطن مُحبَط بعد أن  يكتشف أنه غير قادر على العيش والتفاهم مع أقرب الناس إليه، فبالأحرى أن يستطيع تقديم أي خدمة أو منفعة لمجتمعه ووطنه.

علاقة الأمية بالفقر والمرض:

بيد أن  الأمية تُعتبَر قاسما مشتركا بين الجهل والفقر والمرض. فالأمية هي أهم صور الجهل، ومن أهم نتائجها الفقر والمرض. والشعب المغربي، الذي يواجه تحديات ومشكلات من كل الأشكال والأنواع، ويسعى باستمرار وبلا كلل، إلى تحقيق التقدم والتطور والتنمية، يجد نفسه مصطدمًا بجدار الأمية، الذي يُشكِّل عائقا كبيرا في طريق الارتقاء بثرواته البشرية، ويحول دون امتلاكه القدرة على استثمار ثرواته الطبيعية بما يحقق أهداف التنمية.

كما تمثل  الأمية أحد مظاهر الإخفاق في إصلاح منظومة التربية والتكوين، وتعتبر بالتالي إحدى صور الأزمة التربوية التي تعيشها بلادنا في الظرفية الراهنة، وعلى مدار أكثر من خمسة عقود.

الأمية والأولويات الإنمائية:

إنّ المغرب لا يزال مقيدا بأغلال الأمية وما يرافقها من آثار ونتائج ضارة تنعكس سلبا على المواطن المغربي، الذي طالما اعتبرناه في أدبياتنا محورَ التنمية ووسيلتَها وهدفَها في آن واحد. غير أن معدلات التنمية لا تتحقق إلا من خلال الاستفادة القصوى من كفاءات العنصر البشري ومهاراته، وبتحصيل الحاصل، فإن معالجة معضلة الأمية ينبغي أن تكون بكل تأكيد وإلحاح ضمن قائمة الأولويات الإنمائية.

الصعوبات والمعيقات:

من المعلوم أن انتشار الأمية في مجتمعنا، يجعل  عملية تحقيق نمائه وازدهاره أو على الأقل اكتفائه وخلاصه من كل أشكال التبعية مطلبًا بعيد المنال، وذلك على الخصوص، من جرّاء الصعوبات والمعيقات التالية:

  1. الوعي غير الكافي بأهمية مشكلة الأمية:

وعدم وضع هدف محو الأمية والقضاء عليها بصورة مبرمة في سلم الأولويات منذ الاستقلال؛

  1. الإصرار على اعتبار الأمية مشروعاتربويا:

الشيء الذي يجعلها جهدًا منفصلا عن المؤثرات الاقتصادية والاجتماعية، وعن الحياة السياسية، والتنموية، وبذلك تركنا الأمية محصورة في عدم القدرة على القراءة والكتابة وإنجاز العمليات الحسابية البسيطة، وهو ما يُسمى بـ”الأمية القِرائية”، بدلاً من الالتفات إلى جهلنا بأمور أخرى أكثر اتساعًا وتنوُّعا لها جميعُها وثيق الصلة بالتنمية المنشودة؛

  1. ضعف الاعتمادات المالية:

وكذلك الشأن بالنسبة للتنظيمات، والأجهزة، والمناهج اللازمة لمحو الأمية، أو تشتت هذه العناصر على مؤسسات عمومية وخصوصية تُصر كلُّ منها على رعاية برنامج مختلف عن غيرها في هذا المضمار؛

  1. نقص التشريعات المُعناة بمحاربة الأمية:

وخاصة تلك الكفيلة بجعل التعلُّم في مختلف مراحل العمر أمرًا إلزاميًا ينبغي أن يستجيب الأميّون له بدون أدنى استثناء؛

  1. تدنّي مستوى الاهتمام بمتابعة برامج محو الأمية:

بسبب غياب التوعية والتحسيس الملحّيْن والدائبيْن والكفيليْن بجعل الأميين أكثر إقبالاً على الاستفادة من البرامج المعروضة عليهم؛

  1. ضعف الحوافز:

التي تُعرَض على الأميين للالتحاق بمراكز محو الأمية وتعليم الكبار، والتي يُفترَض أن تجعلهم أكثر إقبالاً على البرامج المعروضة عليهم في هذا المجال؛

  1. ضعف الإعداد والتأهيل والتدريب:

وهذا بالنسبة للمعلمين المتخصّصين في مجال محو الأمية وتعليم الكبار، حيث يُلجَأ في العادة إلى خدمات المتطوعين من الشباب غير المكوّن في هذا الاتجاه، ومن بعض أفراد أسرة التربية والتكوين، الذين يصعب عليهم التنفيذ الجيّد للبرامج المسطرة بسبب الأعباء الوازنة والملقاة على كاهلهم داخل الحُرُم المدرسية التي يزاولون بها مهمة التدريس الصعبة والمضنية؛

  1. تدنّي الرواتب والتعويضات:

التي يتقاضاها المعلمون المتطوعون للعمل في هذا المضمار، مما يجعل أداءهم متسمًا بالضعف والوهن والتثاقل؛

  1. قلة انتظام الدارسين في دراستهم:

بسبب غياب جهد اتصالي تواصلي وإعلامي كفيل بإقناعهم بجدوى انتظامهم في تلك الدراسة؛

  1. عدم الجدية في تجفيف منابع الأمية:

بسبب العجز عن استيعاب من هم في سن التعليم الإلزامي، وغياب تعميم إلزامية التعليم، وعجز التعليم الابتدائي عن الإيفاء بالحاجات التربوية التعليمية للمجتمع؛

  1. ضعف الربط بين مشروعات محو الأمية وخطط التنمية:

وهذا طبيعي ما دامت مناهج التربية والتكوين وبرامجهما عاجزة هي الأخرى عن خدمة تلك المعادلة؛

  1. نقص المعلومات والأبحاث والدراسات:

وغياب التخطيط المنظم في مجال محو الأمية، وهذا بدوره يرجع إلى تشتت الجهد وتعدد المتدخلين، وخاصة على صعيد التدبير العمومي لهذا الملف الشائك، حيث تحتفظ كل مؤسسة عمومية بنصيبها من العمل في مجال محاربة الأمية ضانة به على أي محاولة للتنسيق والتجميع والتركيز؛

  1. اعتماد أكثر برامج محو الأمية على الارتجالية:

واعتمادها على المزاجية أيضًا، وكذا بعض الأساليب المتجاوزة كالتبرع، والتطوع، بدلا من إيجاد المشاريع المرسومة، والمخططات المسطّرة والمبرمجة والواضحة، والمدعومة ماديا ومعنويا؛

  1. غياب المتابعة القريبة من المستفيدين:

الذين تخلّصوا ولو نسبيًا من أميتهم، مما يترك المجال لارتدادهم وعودتهم إلى الأمية من جديد؛

  1. ضعف الاهتمام الشعبي بمشكلة الأمية:

واقتصار ذلك في كثير من الأحيان على الجهد الحكومي، مما يجعله عبئًا مفروضًا على المواطن الأمي بدلاً من اعتباره خدمة جليلة لفائدته وبتحصيل الحاصل لفائدة أسرته وأهله، وفي هذا يبدو تقاعس الأحزاب عن أداء دورها المؤطّر والموجِّه؛

  1. التمسك بالمفهوم التقليدي لمحو الأمية:

والاقتصار بالتالي على إكساب المستفيدين مهارات القراءة والكتابة والحساب ليس إلاّ، وعدم النظر إلى الأمية بوصفها مشكلة حضارية تنبثق من التخلف وتولّدُه في آن واحد؛

  1. تدني الواقع الذي يعيشه كثير من الأميين:

بسبب تنامي إحساسهم بالتهميش، وعدم وعيهم بأهمية التعليم الذي يفرض عليهم. وفضلاً عن ذلك، هناك أميون كثيرون لا ينظرون إلى الأمية بوصفها معوقا حقيقيا في طريق تطوير عيشهم وتحسين أحوالهم، بل يرون محو الأمية الأبجدية، كما هو عين الواقع في كثير من الأحيان، غير قادر على إحداث أي تغيير حقيقي في حياتهم، الشيء الذي يولّد لديهم شعورًا قويًا بالإحباط وبعدم جدوى محو أميتهم أساسًا، وهذا الشعور في حد ذاته يشكّل عقبة منيعة تحول دون تحقيق الأهداف التي ترمي إليها خطط محو الأمية وبرامجها.

كل هذا يجعل محاربة الأمية أقرب ما تكون بنزال “دونكيشوت” القائم على مناطحة طواحين الهواء، ويُبقيها بالتالي جهدًا غير مُحكَم وغير متوازن وفاقد بالتالي لبوصلته وعاجز من جراء ذلك على تحقيق أهدافه مهما كانت هذه الأهداف بديهية ومستوفية لكافة الشروط المنطقية، بما فيها شرط الإجماع المعبر عنه من لدن كافة مكونات الدولة والأمة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / مصدر صورة الواجهة: هسبريس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى