تحلية مياه البحر: هل يمكن اعتبارها بديلاً حاسما للإجابة على أسئلة الجفاف؟ (مغرب التغيير – الدار البيضاء 23 غشت 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 23 غشت 2023
كثيراً ما أصبح تعبير “تحلية مياه البحر” ينطّ إلى أسماعنا وإلى شاشاتنا الاتصالية والتواصلية اليومية، في الآونة الأخيرة، ويتخذ له موقعاً متميِّزاً في خطاباتنا السياسية ذات العلاقة باقتصادنا ومجتمعنا… حتى صار هذا التعبير يأخذ شكل وصفة سحرية قادرة على حل مشاكل عديدة والإجابة على أسئلة اقتصادية واجتماعية شائكة، وكأنه عصا موسى، أو خاتمُ سليمان، أو أيُّ مصدرٍ آخر يمكن أن يبرّر وقوع الخوارق!!
من الطبيعي أن بلادنا، وقد توالت عليها مواسم الجفاف على مدار السنوات الستّ الأخيرة، أن تبحث باستماتة عن أجوبة شافية لمسألة الجفاف هذه، خاصةً وأنها خارجة عن وعينا وإرادتنا، وإن كنا كأناس يسكنون هذه الأرض معنيين كغيرنا بتفاقم أسباب ظاهرة الجفاف، ومسؤولين عن “الإفساد في الأرض بعد إصلاحها” خلافاً لأوامر الله ونواهيه في هذا الباب بالذات، لأن لكل منا نصيبه من المسؤولية فيما لحق، ولا يزال، من الثقوب والخروق في طبقة الأوزون، ولو بمجرد استعمال بخّاخات العطر، التي نسعى من وراء استخدامها إلى ترطيب الأجواء وتعطيرها في بيوتنا وأماكن عملنا، أو للحد من روائح العرق المتصبّب منا بفعل الجفاف ذاته، دون أن يعي السواد الأعظم منا بأن ذلك وحده يفوق في خطورته على ثقب الأوزون ما ترسله سيارة قديمة مهترئة من الأدخنة والعوادم في محيطها المباشر!!

ما علينا… ما الذي نقصدهُ بـ”تحلية ماء البحر”، وكيف السبيل إلى ذلك بطرق تكفي لسد حاجياتنا المتزايدة إلى هذا العصب الحيوي للحياة بعد الأوكسيجين، وهو الماء، وليس أيّ ماء، بل الماء الصالح للشرب والزراعة ولإدارة عجلة التنمية، ليس لنا وحدنا، بل لكل الساكنة فوق ترابنا الوطني من طنجة إلى الكويرة، أناساً ونباتاتٍ وحيوانات، وحشرات مسؤولة عن توازن بيولوجي وبيئي لا غنى عنه؟
سيقول قائل: إن الأمر يتعلق بكل بساطة بغلي ماء البحر وتعريض بخاره للبرودة بغرض تقطيره في شكل مياه نقية خالية من الشوائب، تماما كما نفعل من أجل استخراج العطور بطرق التبخير والتقطير المعروفة. لكن، هل يعلم هذا القائل بأننا هنا بصدد تقطير ملايين أو بالأحرى ملايير الأمتار المكعبة من الماء النقي؟ وهل يدرك بأن هذا الماء رغم ملايين أو حتى ملايير أمتاره المكعبة لن يفيد في شيء إذا لم يكن متوفرا على تركيبات محددة ومدروسة ومضبوطة من الأملاح والمعادن، لأنه سيكون خاليا من كل ذلك بعد عملية التقطير والتحلية، التي لن تجعله صالحا للشرب ولا للسقي ما لم تُضف إليه الأملاح والمعادن المذابة، بنسب مختلفة بحسب اختلاف استعمالاته؟

إننا هنا بصدد عملية جد معقدة تستهدف تحويل مياه البحار والمحيطات بأملاحها الفجة ومعادنها القاتلة إلى ماء كالذي أمدّنا الله به عن طريق الأمطار، والآبار، والأنهار العذبة، بأملاحه ومعادنه المتوازنة والصالحة لكل الاستعمالات!! بل إننا هنا بصدد محاكاة صنع الله عز وجل، بجعل مياه البحار والمحيطات أشبه ما تكون، وإلى درجة التطابق، مع الماء الذي نشربه ونسقي به ونستخدمه لكل أغراضنا بكل أريحية!!
هناك إِذَنْ حاجة ملحة وحيوية، لا تقل حيويةً من الماء ذاته، إلى عمليات ينبغي أن تتم عبر آليات علمية وتكنولوجية جد معقدة، تحوّل ماء البحر إلى ماء الحنفية أو الصنبور، الأمر الذي يتطلب تجهيزات جبّارة للتبخير والتقطير والتعدين والتمليح في وسعها القيام بكل عمليات التحويل المطلوب دفعة واحدة، وبلا أخطاء قد تكون قاتلة. وموازاةً مع هذا المطلب، يقتضي هذا الجهد أن نتوفر على ماكينات بالغة الضخامة قد يصل حجم الواحدة منها إلى هكتاريْن من الأرض أو أكثر، وإلى قوة كهربائية خرافية قادرة على توليد الطاقة الحرارية الضرورية لإنجاح هذه العملية، وكل ذلك، في المركّب الواحد للتحلية، علما بأننا في حاجة ماسة إلى عشرات، حتى لا نقول مئات من الوحدات المماثلة!!

إن هذا يجعلنا نتفهم، الآن، كيف أن المغرب في أمس الحاجة إلى استعمال “الطاقة النووية” لإنتاج الكهرباء والطاقات الحرارية اللازمة، وكيف أن ذلك ينبغي أن يكون موزَّعاً توزيعاً متوازنا على طول سواحلنا من المتوسط إلى الأطلسي، حتى لا تُغبَن أيُّ منطقة من مناطق ترابنا الوطني في حقها من هذه العملية، الجبارة بكل المعايير.
إن هذا، أيضاً، يجعلنا الآن نستحضر الاتفاق الأخير الذي وقعه المغرب مع دولة روسيا الاتحادية من أجل العمل المشترَك على إقامة مفاعلات للطاقة النووية السلمية فوق التراب المغربي، ويجعلنا نتفهّم بشكل أوضح وأعمق، هذا التداول الراهن لأنباء تخبرنا بأن المغرب يتوفر على أكبر مخزون في العالم من معدن اليورانيوم المطلوب استعماله لإنتاج تلك الطاقة، وهو معطى بديهي، ما دام المغرب يمتلك 73 في المائة من الاحتياطي العالمي للفوسفات، وما دام الفوسفات بمثابة المصدر الأكثر اشتمالاً على أجود أنواع اليورانيوم في العالم، فضلاً عن استعماله الراهن في صناعة أجود أنواع الأسمدة أيضاً في العالم… وهذا سبب آخر من الأسباب التي تجعل من المغرب قبلةً لأكثر القوى العالمية تقدّماً بالنظر لهذيْن المعطييْن بالذات.
بعد أن أخذنا الآن علماً بهذه المعطيات، التي كانت معروفةً، ولكنها كانت أقل نفعاً لأننا لم نعمل من قبل على “ترتيلها” وجمعها، كما فعلنا الآن، صار في الإمكان أن نجيب بالإيجاب على سؤال عنوان هذا المقال، بالقول إن في وسعنا الآن، إذا نحن التزمنا بالشروط العلمية والتكنولوجية والطاقوية المشار إليها أعلاه، أن نحل مشكلة الجفاف، وأن نعالج معضلة ندرة المياه على طول وعَرض ترابنا الوطني… وفي ذلك فلْتتنافسْ مؤسساتُنا العوميمة والخصوصية على السواء، ولْتجتهِدْ في إقامة اتفاقيات وشراكات مع قوى عُظمى أخرى في وسعها أن تعيننا على إصابة هذا الهدف.