دراسات وأبحاث
أخر الأخبار

الجماعات والمنظمات السرية التي تُدير دِفّةَ العالم في جُنْحِ الظلام!! (مغرب التغيير – الدار البيضاء 20 نونبر 2023)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 20 نونبر 2023

بدايةً، يمكن استبدال العنوان أعلاه بالقول: “هؤلاء هم الحكام الحقيقيون للعالم”، وأدهى ما في الأمر أن ذلك كان ولا يزال يعتمد على طقوس وتطبيقات “باطنية” تستعمل العِرافة والتنجيم والسحر الأسود بجميع أشكاله… وإذا كان ذلك لا ينفع ممارسيه في العصر الراهن، خصوصًا من الناحية الوجودية، فإنه على الأقل طبع وما زال يطبع سلوك هؤلاء بسِمات الدسيسة والمؤامرة وإضمار الشر للغير، بل للإنسانية جمعاء، خدمة لحلم قديم بـ”مُلْكٍ لا يَبْلَى”، وبـ”نفوذ دنيوي لا حدود له”. والمصيبة الأعظم أن تلك الممارسات كانت وما زالت تتولَّد عنها خياراتٌ سياسية واقتصادية ومالية وعسكرية تشكِّل السبب الرئيسي فيما تشهده مناطق جغرافية غير قليلة من قلاقل ونزاعات تُخَلِّفُ وراءَها الكثير من الخراب والدمار والمآسي.

الغارديان

عرف العالم إخوانيات ومنظمات باطنية سرية يصعب تعدادها، ولكن معظمها متفرع أو منبثق من سلسلتين متأصّلتيْن، هما على التوالي: “الماسونية” أو منظمة “البُناة الأحرار”، وأمها “القبّالة الإسرائيلية”. بل يمكن القول إنها، جميعها، خرجت من رحم هذه الأخيرة بشكل أو بآخر، وإنما اختلفت الأسماء والرموز والشعارات باختلاف الأزمنة والأمكنة والأقوام وظروف النشوء ومسبباته.

ويعرف العالم في الوقت الراهن عشر جماعات أو هيئات تمكنت من البقاء رغم طابعها السري والانعزالي، الذي عادةً ما يكون سببًا في تقهقرها اجتماعيًا وإنسانيًا، وفي اضمحلالها واختفائها بين الحين والآخر، إلا أن هذه العشرية تضم أخطر الجماعات السرية في العصر الحديث حتى لا نقول “أخطرها على الإطلاق”، لأنها تتحكم في الخفاء في أهم القرارات التي يتخذها رؤساء الدول العظمى وقادتها المنضوون بشكل أو بآخر إلى إحداها على الأقل، ومن بين تلك القرارات ظهور مُسَمّى “العولمة”، وانبثاق مشروع “النظام العالمي الجديد”. ويمكن أخذ نظرة موجزة عن هذه الجماعات العشر فيما يلي:[1]

  1. التنويريون: ILLUMINATI

تأسست سنة 1776 في بافاريا، وبالرغم من عدم تمتعها بوجود قانوني ومشروع، فقد انتمى إليها جمع من مشاهير السياسة، وعالم المال والأعمال، وعالم الفن، وغيرها من الفئات، وتشترط لقبول الانضمام إليها “عدم الإيمان بالله الواحد الأحد”، ومن ثَمّ اجتذبت إليها أعدادًا وفيرة من الملحدين… ولذلك اعتُبرت “محارَبةُ الديانات السماوية” من أبرز أهداف هذا التنظيم.

ويغلب الظن أن هذا التنظيم ما زال يعمل إلى غاية الزمن الراهن في الخفاء، ويتحكم في قرارات بعض الدول والحكومات، ويتم من خلاله التأثير في الثقافات من خلال الإنتاج السينمائي وإصدار الكتب والبرامج التربوية والتعليمية بوسائط مختلفة وفي أماكن كثيرة من العالم.

أما طرق الاتصال باللامرئي عند هؤلاء فهي نفس الطرق المتبعة عند عبدة الشيطان بالخصوص، وبعض طرائق عبدة الطبيعة والظواهر الكونية.

ناسيونال جيوغرافي
  1. الماسونية Franc-maçonnerie:

تعرف أيضًا باسم “البُناة الأحرار”، وهي منبثقة من القبلانية أو القبّالة الإسرائيلية.

تأسس محفلها الأكبر سنة 1717، ولها ثلاث مراتب تنتهي بـ”الماسون الأكبر”، وتمارس طقوسًا وتطبيقات غريبة تحفّها السرية التامة، ولكنها بدورها مستمدة من طقوس القبّالة الإسرائيلية.

ولأعضاء هذه المنظمة طرقٌ خاصة بهم في المصافحة للتعرف على بعضهم البعض في حالة الالتقاء لأول مرة دونما حاجة إلى وسيط، ويتم تغيير تلك الطرق بوتيرة منتظمة تقوم على إشارات بأصابع اليدأثناء المصافحة، مع الحفاظ على سريتها، بمثل ما يتم تغيير وإخفاء شفرات الخزائن الفولاذية المحتوية على الأموال والوثائق السرية، وذلك حتى لا يَنْحَشِرَ أحد أو يتسلل إلى الجماعة بلا إذن أو موافقة مُسْبَقَة مجمَعٍ عليها.

وللانضمام إلى الماسونية ينبغي أن تتم دعوة العضو المقترح من لدن ثلاثة أعضاء قدامى، كضمان لأهليته، وأن لا يقل عمره عن 18 سنة.

وتضم الماسونية أعضاء نافذين في مجالات السياسة والمال والأعمال والثقافة والفنون، كما تضم قادةً وملوكاً ورؤساء حكومات… ولا يُستثنى من ذلك بعض كبار السياسيين وأعضاء الحكومات في البلدان العربية والإسلامية. ومن هنا يأتي خطر تأثيرها في السياسات الوطنية والدولية.

غير أن الماسونية تُلاقي الخصومة والعداء من لدن مختلف العقائد والديانات، حتى أن الكنيسة المسيحية، بذاتِها، تَحْظرُ على أتباعها الانضمام إلى هذه المنظمة.

فيسبوك
  1. منظمة عمل الرب OPUS DEI

تأسست سنة 1928 من طرف القس الكاثوليكي “خوصي ماريا إسكريفا” بمباركة البابا بايوس الثاني عشر، وبالتالي فهذه المنظمة تتبع للكنيسة المسيحية، كما توحي بذلك تسميتها ومُنْشِئُها، وتقوم على نشر الديانة المسيحية وفق المذهب الكاثوليكي، ويتشكل شعارها من صليب داخل دائرة نارية.

ويرى بعض الباحثين أنها تشكل تنظيمًا سريًا داخل الكنيسة، وأن هدفها الرئيسي هو القضاء على “أخوانية سيون” التي تشكل تهديدًا للكنيسة لادّعائها الكشف عن حقيقة سلالة المسيح عليه السلام (سيأتي ذكر تلك الإخوانية بعد هذه مباشرة). أما الكنسية المسيحية فقد أعلنت أنها تمانع قيام أي منظمة سرية، وأن “منظمة عمل الرب” تعمل بالتالي بصورة عادية ومشروعة وأنها معروفة لدى عامة الناس. أما طقوس هذه المنظمة وتطبيقاتها فكَنَسِيَّة كاثوليكية دون أي تمييز يستحق الذكر.

  1. إخوانية سيون Priory of Sion

لم تلق هذه الإخوانية أي اهتمام إلا بعد نشر كتاب “شفرة دافينتشي” للكاتب “دان براون”، حيث ظل الجميع يعتقد بعدم وجودها إطلاقًا، إلى أن بدأ الترويج لها سنة 1956 من لدن “بيير بلانتارد” الذي كان يطالب بالعرش الفرنسي، حيث كان يوهم الناس بأن هناك إخوانية تدعم مطالبته بعرش فرنسا.

وقد تزايد بعد ذلك عدد المعتقدين بوجود تلك الإخوانية، وبممارستها نشاطاتها في السر، خاصة بعد صدور كتاب آخر يتضمن رواية تتحدث عن “الدم المقدس”، دم المسيح، و”الكأس المقدسة”، التي كان يشرب منها ليلة نزول المائدة من السماء (تحولت هذه الرواية إلى سلسلة أفلام لعب بطولتها الممثل الشهير “توم هانكس”) وقد جاءت في هذا الكتاب بيانات جديدة عن هذه الإخوانية منها على الخصوص:

ـ أنها تأسست منذ سنة 1099 للميلاد؛ ـ أنها كانت تضم في عضويتها أعلامًا أكابر مثل “إسحاق نيوتون”، و”إليوناردو دافينتشي”؛ ـ أنها أمّنت الحماية لأشخاص ادعت أنهم من سلالة المسيح وزوجته المزعومة “مريم المجدولية”؛ ـ وأنها حاولت تأسيس ما يسمى بـ”الإمبراطورية الأوروبية المقدسة”، التي قالت إنها ستحكم العالم وتنشر الرخاء بين الناس كافة. وقد ربط بعض الدارسين بين هذه الإخوانية ومنظمة “النجمة الصليبية”، التي تنبثق هي الأخرى من أصول قبلانية.

  1. منظمة فرسان الهيكل الماسوني

FRANC MAҪON TEMPLIERS

لا تمت هذه المنظمة بأي صلة إلى منظمة “فرسان الهيكل” العسكرية، التي أسست في القرن الثاني عشر لحماية الحجيج المسيحيين إلى القدس، بل هي مجرد تفرّع عن منظمة الماسونية العالمية، ولذلك تشترط على الراغبين في الانضمام إليها أن يكونوا ماسونيين أولاً، ومؤمنين بالديانة المسيحية. ومن ثم فليس هناك ما يمكن قوله عن هذه المنظمة غير ما قيل ويُقال عن الماسونية الأمّ.

يوتيوب
  1. جماعة بيلـــــــــــــدبيرغ

GROUPE BIELDERBERG

انعقد أول اجتماع لهذه الجماعة السرية سنة 1954 بفندق “بيلدربيرغ” بهولندا، وكان على رأس أهدافها دعم التقارب بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية بهدف إحكام قبضة الغرب على كافة بقاع المعمور.

والحال أن هذه ليست منظمة بالمفهوم السائد، بل مجرد جماعة من 120 إلى 150 شخصية نافذة تعقد اجتماعاتها كل سنة بسرية تامة، وتحت حراسة مشددة، ويتم ذلك في أحد الفنادق الأوروبية الفخمة، وتظل جداول أعمال تلك الاجتماعات في طي الكتمان.

ويُذكر من بين أبرز أعضائها السابقين ملك إسبانيا “خوان كارلوس الأول” وزوجته الملكة “صوفيا”، وملكة هولندا “بيتريكس”، ورئيس وزراء اليونان “كوستاس كارامتلس” ورئيس وزراء فنلندا “ماتي فانهانن”، ووزير المالية الأمريكي “تيموتي جيثنر”… وكما يبدو ذلك جليًا، فهذه الدول على الأقل، كانت مصائرها وخياراتها الكبرى في أيدي هؤلاء  وبطبيعة الحال، فإن ذلك كان ينعكس على دول أخرى صديقة أو حليفة. ويرمز شعارها إلى الهيمنة على العالم: ويتشكّل من “عين تراقب داخل راحة يد مبسوطة فوق الكرة الأرضية”.

وعلى سبيل “شهد شاهد من أهلها”، بث موقع أوروبي يحمل اسم: CHAOS CONTROLÉ بحثا مفصلاً تحت عنوان “مجموعة بيلدربيرغ: أخطر عدو للإنسانية”، جاء فيه أن عددًا كبيرًا من المحققين الصحافيين المشتغلين على هذا الموضوع لحساب قناة “روسيا اليوم” RUSSIA TODAY خلُصَ إلى أن هذه المجموعة تشكّل وسيلة لحشد المؤسسات المالية الأقوى في العالم، وغيرها من المتربصين بالآفاق الاقتصادية العالمية، وأنها اليوم، وباختصار شديد: “توليفة من المصالح تعدّ أخطر عدو للإنسانية”.[2] فضلاً عن تشكّلها من شيوخ النازية واجتهادها منذ نهاية الحرب الكونية الثانية في محاربة المعسكر الشرقي إبان الحرب الباردة، وتركيز نشاطها حاليًا، ومن خلال كل اجتماع جديد، على إنشاء ودعم “أرستوقراطيا المقولات” Aristocratie de propos كما سماها “دانييل إستولان”، وهو أحد أبرز المحققين السالف ذكرهم.

  1. منظمة المعابد الشــرقية

ORDO TEMPLIS ORIENTIS

تأسست في بداية القرن العشرين، وأخذت في بداياتها الأولى بتعاليم الماسونية (يتشكّل شعارها من رموز مختلطة) غير أنها اصطنعت ديانة جديدة على يد “الوحش الأعظم أليستار كراولي” تقوم على مبدأ فريد، هو “افعل ما يأمر به القانون، الحب هو القانون، والحب تحت الإرادة”. ويطلق على كتابهم المقدس اسم “كتاب القانون”.

وتشمل هذه المنظمة نحو 3.000 عضو، أو مريد، وتتميز طقوسها بحضور الرهبان والأطفال والعذارى، وتمارس عبادة الآلهة الفرعونية القديمة وعبادة الشيطان.

  1. منظمة روزكروسن Rosicrucians

أو النجمة الصليبية Rose-Croix

تأسست في القرن السابع عشر في ألمانيا على إثر نشر ثلاث وثائق، تحدثت أولاها عن قصة كيميائي غامض، أو بالأحرى “سيميائي” Alchimiste، سافر إلى أماكن مختلفة لجمع معلومات سرية؛ وتحدثت الوثيقة الثانية عن إخوانية سرية من السيميائيين Alchimistes كانوا يخططون لتغيير الواجهة السياسية والثقافية لأوروبا؛ وتضمنت الوثيقة الثالثة الدعوة التي وُجهت إلى “كريستيان روزينكروز” لحضور ومباركة الزواج السيميائي للملك والملكة في “قلعة المعجزات”.

أما أعضاء هذه المنظمة فيعتقدون بقدمها وتغلغل جذورها إلى أزمنة طويلة ماضية، ويعادون الكنيسة الكاثوليكية بشكل خاص، ويبدو أن الماسونية لدى تأسيسها تأثرت بفكر هذه المنظمة.

  1. منظمة رهبان الفجر الذهبي

Hermetic Ordr Of the Golden Dawn

تأسست على أيدي كل من  د/ “وليام وودمان” و”ويليام ويسكوت” و”سامويل ماثيرز” في أواخر القرن التاسع عشر، وكان هؤلاء أعضاء سابقين في الماسونية.

ويعتمد نظام “الفجر الذهبي” على مزيج من تعاليم المسيحية الباطنية والقبالة الإسرائيلية والديانات الفرعونية والماسونية والتصوف والسحر وكتابات عصر النهضة. بمعنى أنها خليط لقيط من أسوء العقائد والتطبيقات الباطنية. أما الوثائق الأساسية لهذه المنظمة فتشتمل على أزيد من 60 طريقة لممارسة السحر والشعوذة.

  1. جمعية الجمجمة والعظام

Society of Skull and Bones

تأسست سنة 1832 في جامعة “يال” الأمريكية، وكانت تُعرف آنئذ باسم “إخوانية الموت”. وتعتبر من أقدم الجماعات الطلابية السرية في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تقبل في عضويتها إلا نخبة قليلة من الطلبة، وتعتمد الطقوس الماسونية إلى غاية يومنا هذا، حيث يجتمع أعضاؤها يومي الخميس والأحد من كل أسبوع في قَبْوٍ يطلقون عليه اسم “القبر”.

ومنذ سنة 1970، توقفت الجمعية عن الإفصاح عن أنشطتها ومنتسبيها، وكذلك طقوسها التي صارت مُحاطة بسرية شديدة.

أما أعضاؤها فمن أبرزهم رئيسيْ الولايات المتحدة الأمريكية دابليو بوش الأب والابن. ويعتقد بعض الباحثين أن هذه الجماعة ليست إلا فرعًا من منظمة “التنويريين”. ومن أشهر نظريات المؤامرة التي تدور حول هذه الجماعة، أن مؤسسيها هم الذين أنشأوا “وكالة المخابرات المركزية الأمريكية” (CIA) بالرغم من نفي هذه الأخيرة لهذا الادعاء بشكل رسمي سنة 2007.

نماذج من الحضارات التي أخذت عنها هذه الجماعات:

– المايا:   نشأت حضارة المايا في جزء كبير من أمريكا اللاتينية يشمل الغواتيمالا والبليز (الهندوراس البريطانية سابقًا) والسلفادور والهندوراس ومناطق واسعة في جنوب المكسيك، وترجع إلى نحو 2.000 ق.م. وإلى غاية 250 سنة ميلادية.

اتخذت حضارة المايا أشكالاً متعددة ومختلفة من العبادات، تأتي في مقدمتها عبادة آلهات الزراعة والصيد، والاعتقاد بألوهية الكواكب والنجوم والأقمار، حتى أن تلك الحضارة اشتهرت عن كل الحضارات الأخرى بدقتها في حساب حركات النجوم والأجسام السماوية وتموضعاتها، وكانت تتخذ ذلك وسيلة للتنبّؤ بأحداث المستقبل، وقد بلغ بها ذلك إلى التنبّؤ بحلول الساعة في القرن الحادي والعشرين، وتحديدًا في يوم 21/12/2012، وهو يوم تتموقع فيه الشمس والأرض والكواكب السيارة في خط مستقيم واحد.

بالمناسبة، فهذه الظاهرة تأسس عليها إنتاج فيلم سينمائي عجائبي (عنوانه 2012) يصف نهاية العالم أنفقت في إنجازه ملايين الدولارات، وحقق مداخيل تساوي أضعاف ذلك، ولكنه اختار أن يجعل تلك النهاية مجرد دورة حياتية جديدة يهلك فيها معظم سكان الأرض، فلا يبقى منهم سوى من وقع عليهم الاختيار من الأثرياء القادرين على دفع مقابل ذلك بملايير الدولارات عن النفر الواحد، وبعض العلماء من مختلف التخصصات، وأصناف من مختلف الحيوانات، بعد أن بُنيت لهذا الغرض سفن عملاقة تأسيًا بسفينة نوح، تبلغ حمولة كل منها نحو مائة ألف نسمة.

ويتبين من هذا الإنتاج الفكري الفني والثقافي، الذي يحمل بصمة الفكر الغربي “الاستعلائي”، ما سبق قوله بخصوص هيمنة بعض المنظمات السرية على ميادين الثقافة والفنون، كما تتبيّن كذلك، حقيقة النظرة التي يرى بها رواد تلك المنظمات الإنسانَ عمومًا، و الحقَّ في البقاء بصورة خاصة.

– الفراعنة:    تحكي كتب التاريخ الفرعوني أن “أبناء الشمس” أو “أبناء النور”، وهم الأمراء الذين كان يتم إعدادهم لتولي مناصب الحكم في الإمارات والمحافظات المصرية أيام الفرعون “رع” (الذي نصب نفسه إلهًا الشمس) كانوا يخضعون قسرًا لامتحانات عسيرة، منها ما يتطلب مجاهدة قوى الطبيعة الأربع، الماء والنار والهواء والتراب، عن طريق اجتياز ممرات تتظاهر فيها هذه القوى، في شكل أمواج مائية جارفة، ونيران ملتهبة من جميع الجوانب، وتيارات هوائية شديدة القوة، وحفر وانجرافات طينية قاتلة، حتى إذا نجح السالك في اجتيازها الواحدة تلو الأخرى يتم وضعه داخل تابوت صخري أو رخامي ثقيل يوصد عليه فلا يُترك له إلا بعض الثقوب يتنفس من خلالها ويتلقى عبرها بعض الماء والحساء بواسطة أنابيب رفيعة معدة لذلك الغرض، ويكون عليه أن يتحمل تلك الوضعية لأيام طويلة وربما لشهور، إلى أن تظهر عليه علامات الخروج بجسمه اللطيف من جسده الفيزيقي الكثيف، ويتبيّن ذلك من خلال اكتسابه القدرة على رؤية ما يجري خارج التابوت، والبوح بذلك للكهنة المشرفين على “تكوينه الباطني”، وإذا أفلح في الإجابة على أسئلة هؤلاء، والتي تتعلق دائمًا بما يقع في الخارج وفي دهاليز القصر الفرعوني، يتم إخراجه، وتُقام احتفالات تقدم فيها ذبائح مختلفة ويُعلن خلالها تنصيبه “إبنًا للشمس” ويُنصَّبُ بالتالي أميرًا على إحدى مناطق البلاد.[3]

وبذلك يكون الاتصال بالباطن بتلك الطريقة، شرطًا أساسيًا لاكتساب صفة الإمارة، وممارسة الحكم تحت رعاية “رع إله الشمس” كما تقتضي عقيدة أحد أكثر الفراعنة شهرة وأكبرهم وزنًا وأشدهم استبدادًا وعلوًا في الأرض. ولو نقب الباحث في تراث بعض المنظمات السرية المبيَّنة أعلاه لوجد داخل أقبيتها السرية ترتيبات لانخراط الأعضاء الجدد لا تختلف عن تلك الاختبارات إلا في نوعية الأثاث وبعض المجاهدات، التي تصبح رمزية بعد أن كانت في تلك العهود واقعية، خطيرة ومُهْوِلة.

– البوذية:   أبرز ما نذكره من بين الطرائق البوذية، الكثيرة والمتنوعة من حيث المذاهب والطقوس والتطبيقات، طريقة “النُّسّاك الطاويين”، نسبة إلى عقيدة “الطاوية” Taoïsme، القائلة بسلوك الطريق إلى مقام “الطاو” Tao، الذي يتحد فيه السالك مع الطبيعة والكون من حوله ومن فوقه وتحته، وينتهي به المطاف إلى مشاهدة ما يسمونه “الزهرة الذهبية”، وهذه عبارة عن تشكُّل باطني لرمز دائري له مراوح متعددة الألوان والأحجام ولها مركز ذهبي يُشع على أطرافها، وتلك نهاية الطريق إلى “الطاو”، الذي يشكّل بدوره مقامًا من مقامات “الكشف” يصير المتصل فيه جزءًا لا يتجزّأ من “الكل”، وهذا تعبير عن فكرة “وحدة الوجود”. غير أن السالك يمر قبل البلوغ إلى تلك المرتبة العلية بابتلاءات واختبارات عسيرة فيها من الإغراءات الغريزية ما يكفي لإسقاطه من عليائه إن هو استسلم لها، فيصبح إنسانًا عاديًا، أو يتيه في عوالم خيالية فيها كل المتع الحسية، التي تكون والحالة هذه من صنع خياله فحسب.

– القبالة الإسرائيلية:   يسمي بنو إسرائي عقيدتهم المحرَّفة عن إسلام النبي موسى ورسالته التوراة بـ”القبّالة” Cabbale، أو “القبلانية” Cabalisme، ويسمونها كذلك اختصارًا بـ “العقيدة” Tradition، وتتشكّل من تغييرٍ لما جاء به الرسول موسى، من التوراة، عن طريق تجزيئها وتقسيمها، بعد التحريف بطبيعة الحال، إلى ثلاثة مجالات:

المجال العقدي، ويعتمد على كتاب “الزّهار” Zohar، وهذا يشتمل على تقديم لأهم تعاليم التوراة كما يقول أهل هذه العقيدة، موجه خصيصًا لمن اكتسبوا درجة معينة من علوم الباطن، وبالتالي فهذا الكتاب يُعتبر مرشدًا ودليلاً للسالكين في هذه العقيدة؛

المجال التنبؤي، Prophétique، ويختص بالبحث في السبل الكفيلة بتحقيق “الاتحاد الروحاني مع الرب” (L’union mystique avec dieu) أو ما يسمونه بالعبرية: Dévécouth، والبلوغ بالتالي إلى مقام التنعّم L’extase أو اللذة العُظمى؛

المجال السحري، Magique، للبحث في الطرق السحرية المؤدية إلى معرفة الخالق، والارتباط بصفات كرمه وجوده وتحقيق المعجزات من وراء ذلك. ولهذا المجال كتابه الخاص به وهو الطاروت Tharot.

وللإشارة، فمعتنقو عقيدة “القَبّالة”، والتي يسمونها اختصاراً: “العقيدة”، يَعتبِرون ما يمارسونه من السحر ربّانيًا، ومن الأكيد أن المدعين بذلك من المسلمين قد أخذوا عنهم هذه الصفة، خاصة وأنهم يستعملون نفس الترتيب الأبجدي للحروف العبرية (ألف، باء، جيمل، دالت… الخ) التي قابلها شيوخ بعض الطرائق المسلمون بالترتيب العربي الدخيل: أ، ب، جـ، د، …الخ، لا لشيء إلا للتمكن من استعمال الحروف العربية في هذا الترتيب الغريب بنفس الاستعمالات التي سبق إليها بنو إسرائيل، لإنجاز الجداول والأوفاق… ثم القول مثلهم إن ذلك حكمة ربّانية.

وهناك كتاب عنوانه “القبّالة الربّانية” Divine Kabala[4] يشكّل دليلاً كافياً للتأكيد على صحة ما ذهبنا إليه بشأن سحرتنا وسحرتهم على السواء… تشابهت قلوبهم، ومن المنطقي أن تتشابه ادعاءاتهم الباطلة. فمتى كانت القبّالة الإسرائيلية ربانية؟ ومتى كان السحر بكل أنواعه وأشكاله ربانيًا هو الآخر؟ لا ريب أنهم بذلك يرمون إلى النقص من قيمة المعجزات التي جاء بها مختلف الأنبياء والرسل بجعلها مجرد نبوغ من لدن هؤلاء في مجالات السحر والشعوذة… ألا ساء ما يحكمون!!

تعقيب لابد منه:    بعد هذا الاستعراض الموجز لأبرز وأخطر التنظيمات السرية في عالم اليوم، ولبعض الطرائق المنتمية إلى حضارات عتيقة أخذت عنها الكثير، ونسجت كثيرًا على منوالها،  يجمل بنا طرح السؤال حول الغاية الحقيقية من تلك التنظيمات، وإن كانت في الحقيقة بادية بوضوح قبل طرح السؤال ذاته، ما دامت نتائج أنشطتها الخطيرة ومؤامراتها ودسائسها لم تقتصر على ظاهر الحياة الإنسانية فحسب، بل تخطت ذلك إلى الكدّ والاجتهاد في الكيد باطنيًا للإنسان العادي والبسيط والمُسالم في مشارق الأرض ومغاربها، لا لشيء، كما سبقت الإشارة، سوى لتحقيق حلم راود الإنسان منذ خلقته الأولى فكان سببًا أساسيًا في سقطته إلى درك الحياة الأرضية.

إنه حلم تحقيق “المُلْك الذي لا يبلى”، واكتساب “خلود لا تقهره عوادي الزمان ولا تمحو آثارَه الموتُ”… وهو ما تحقق لأجيال غير قليلة من المفسدين في الأرض، ممن تُطْبِق شهرتُهم الآفاق بالفعل، وممن يحظون أحياءً وأمواتًا بحبِّ وتقديرِ ملايين البسطاء والسُّذّج، في انتظار أن يحكم الله غدًا بعلمه وخبرته، وبعدله وحكمته، فيما كانوا فيه خائضين من الأباطيل.

وبمناسبة ذكر كدّهم واجتهادهم الباطنييْن، فمن الجدير بالبيان أن هؤلاء كانوا وما زالوا يمارسون كل أشكال السحر الأسود لإلحاق الضرر المادي، فإن لم يكن، فالنفسي والعقلي، بكل من يعترض سبيلهم، أو يتجرأ على مجاهرتهم العداء ولو بالقول فحسب.

ويستعملون في ذلك طقوسًا وتطبيقات يهدفون منها إلى اكتساب القوة والهيبة والنفوذ، وقد تحقق لهم ذلك بالفعل في مختلف مجالات الحياة الدنيا، فيذبحون أنواعًا مختلفة من الحيوانات النادرة، ويذبحون أحيانًا في ظل تكتم شديد فتيات عذارى وأطفالاً صغارًا ويافعين ويقدمونهم قرابين لشياطينهم، ولا يظهر من ذلك أدنى أثر للعيان، ويذهبون في ذلك المنحى، إلى درجة إقصاء معارضيهم وكل من يخالفهم الرأي والقناعة عن طريق الاغتيال أو القتل في حوادث مفبركة، أو عن طريق القتل المعنوي في أحسن الأحوال، دون أن يراقبهم رقيب أو يُحاسبهم على أعمالهم تلك حسيب.

وبالمناسبة أيضًا، والمناسبة شرطٌ كما يقول المَناطقة، فمن حسنات “الفن السابع” أن أفلامًا كثيرة تعرضت لهذا النوع من الأنشطة السرية بالتعرية والفضح، ولكنْ وبالمقابل، تعرّضَ أغلبُ منتجي تلك الأعمال ومخرجيها وكُتّابِ سيناريوهاتها لكل أنواع الترهيب والتنكيل، بل وقع أشدهم ضراوة وصمودًا ضحايا لحوادث سير أو كوارث مصطنعة اصطناعًا دُبِّرَتْ في الخفاء وأودت بحياتهم بلا أدنى صخب أو ضجيج أو مساءلة.

وكما يلاحظ القارئ، في هذا المستوى من النقاش، فقد ألفيْنا أنفسنا أمام ظواهر خفية ذات آثار منظورة تتجلى في واقعنا اليومي بكل الوضوح الممكن، فلا سبيل بالتالي لنكرانها أو محاولة المرور عليها مَرَّ الكرام.

ورُبَّ قارئ يقول إننا هنا بصدد التحول بالنقاش من المجال العَقَدي الباطني إلى مجال السياسة والتدبير العمومي للشؤون العامة، وهذا قول صائب وفي محله، ولا يجوز جَحْدُهُ، لأن التفريق بين الباطن بظُلُماته ودهاليزه من جهة، والحياة العامة للناس أفرادًا وجماعات من جهة ثانية، لا يجوز ولا يمكن أن يتحقق إلا في الخيال وفي الأحلام، أما الواقع فيقول بارتباطهما كامل الارتباط ووثيقه كما سلفت الإشارة إلى ذلك بالتفصيل المملّ.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير.

[1] أخطر 10 منظمات سرية في العالم ـ http://www.topsarabia.com

[2] http://chaoscontrole.canalblog.com  – 07/06/2013

[3]             Le fils de la lumière: Ramsès, Christian Jacq, tome1/5, Edition Robert Laffont, Paris  1995.

[4]Divine Kabala, la transmission des secrets des pharaons, de Olivier Manitara, Ed.          Essenia ; 2017.  Mot de l’éditeur : Un ouvrage incontournable pour tous les passionnés de l’Égypte chercheurs de vérité. Entrez dans la pratique et la vision magiques des plus grands maîtres de la sagesse et découvrez : la confrérie secrète des gardiens de la KaBaLa, des Égyptiens

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى