دراسات وأبحاث

محاربة العنف ضد المرأة: من الأسرة والمدرسة تكون البداية (مغرب التغيير – الدار البيضاء 30 يوليوز 2024)

مغرب التغيير – الدار البيضاء 30 يوليوز 2024       م.ع.و.

ظاهرة العنف ضد النساء، ظاهرة اجتماعية إنسانية عالمية، لا تخلو منها دولة من الدول، ويشكو منها كلُّ المجتمعات بلا استثناء، ما عدا في القليل النادر من الثقافات. وأسباب هذه الظاهرة اقتصادية واجتماعية وثقافية وكذلك نتائجها وآثارها، ولكنها في جميع الحالات ذات منشأ تربوي بامتياز.

إن كل شيء في المجتمع يبدأ بداهةً من الأسرة والمدرسة، ومن فترات الطفولة الصغرى لا محالة. ومن هنا تأتي الأولوية في محاربة هذه الظاهرة غير السويّة، والتي ينبغي أن تستأثر بها التربية والتنشئة الاجتماعية على مستوى مناهج التربية والتعليم.

إن نبذ العنف بجميع أشكاله عمومًا يُفترَض أن ينمو داخل وعي الأطفال منذ أولى سنوات التحصيل المدرسي، على أيدي أطر تربوية واعية هي الأخرى بعمق المشكلة، ومستوعبة لآليات معالجتها جذريًا، عن طريق تربية الأطفال على التسامح والقبول بالاختلاف، والقبول بالآخر، والتمرن على حل المشكلات بأيسر الطرق وأسلمها، وهي الطرق الودية، مهما كانت أسباب ومبررات الخروج عن هذه القاعدة.

إذَنْ، فالمنهاج التربوي هو المسؤول الأول عن إنتاج أطفالٍ ويافعينً وشبابٍ يستعملون الحكمة والتروّي والمجادلة الهادئة في مواجهة المعضلات التي يمكن أن تنشأ وتتولد عن علاقاتهم ومعاملاتهم فيما بينهم من جهة، ومع الأغيار من جهة ثانية.

وقد أخذت التجربة المغربية في هذا المجال من الإصلاح الاجتماعي بثلاثة مرتكزات أساسية:

المرتكز الأول: الاستجابة لدعوة الدين الإسلامي إلى تكريم المرأة وإحلالها مكانتها الطبيعية في المجتمع، وهي المكانة التي توثق لها نصوص دينية من الكتاب والسنّة، كقول الله تعالى: «فاستجاب لهم ربهم أنّي لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر وأنثى بعضكم من بعض» (195 آل عمران) جاعلاً التبعيض إشارة واضحة وقوية إلى نفي المفاضلة النوعية. وفي الحديث الشريف، جاء قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: «النساء شقائق الرجال» (أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داوود) مستجيبًا على صعيد المعاش اليومي لتلك الحقيقة القرآنية.

المرتكز الثاني: مراجعة الترسانة التشريعية، التأسيسية والتنظيمية والتطبيقية، من خلال ثلاثة تدابير رئيسية:

1- إعادة صياغة مدونة الأسرة بما يحفظ للمرأة كامل حقوقها، ويمكنها من العصمة، ومن السيادة على نفسها وذاتها؛

2- سن القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد المرأة، والذي جاء متضمنًا لأحكام ومقتضيات غير مسبوقة في تاريخ التشريع المغربي، وربما على نطاق أوسع خارج المغرب، كتجريمه للأفعال التي تشكل عنفا ضد المرأة، ومنها الإكراه على الزواج، وتبديد أموال الأسرة بسوء نية، وتشديد العقاب على أشكال التحرش الجنسي، ووضع إطار قانوني لعمل خلايا التكفل بالنساء المعنفات، واعتماد تدابير إجرائية حمائية جديدة، من قبيل إبعاد الزوج المعتدي، ومنع الاقتراب من الضحية أو من سكنها أو من الأبناء، وإشعار المعتدي بمنعه من التصرف في الأموال المشتركة للزوجين… فضلاً عن تنصيصه على جزاءات وعقوبات زجرية من شأنها أن تدفع الذكور إلى مراجعة سلوكهم تجاه الإناث في مختلف الحالات، وعلى اختلاف الروابط والعلاقات؛

3- إقرار مبدأ المناصفة، الذي نص عليه الفصل 19 من دستور المملكة، وذلك بغاية تكريس الإنصاف بديلاً لوضع لم يكن منصفًا للمرأة، وكذلك مبدأ المساواة في الحقوق السياسية. والمبدآن معًا يؤسّسان لتمتيع المرأة مثل الرجل تمامًا بنفس الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية. وهذا يجعل مسألة العنف ضد المرأة لا تختلف في شيء بتاتًا مع العنف الممارس بين أبناء الجنس الواحد، أو فيما بين الذكور تحديدًا؛

مدار 21

المرتكز الثالث: مراجعة مناهج التربية والتكوين، وإدخال مادة التربية على حقوق الإنسان، ومن بين تلك الحقوق على الخصوص، احترام التنوع الجنسي، وإعمال مبدأِ المساواة وتكافؤ الفرص بين الذكور والإناث في مختلف مجالات الحياة العامة، ومن باب أَوْلى، في المجاليْن الاقتصادي والاجتماعي ونظيرهما الثقافي.

بيد أن المناهضة الفعلية والملموسة لظاهرة العنف ضد النساء اقتضت أيضًا، موازاة مع هذه التدابير، دعم المجتمع المدني عن طريق جمعياته ونواديه المُعناة بالظاهرة في أفق ترسيخ مفهومي المساواة والمناصفة داخل الأسرة والبيت، لكونهما سابقيْن على المدرسة ومُوازييْن لها في آن واحد، حيث تشهد المملكة ارتفاعًا كبيرًا لعدد الجمعيات والمنظمات الناشطة في هذا الحقل الحقوقي والاجتماعي والإنساني، وارتفعت بموازاة ذلك أعداد الدعاوي التي ترفعها هذه الجمعيات أمام أنظار القضاء المغربي، وكذا تزايُد عدد الحالات التي يقضي فيه هذا الأخير بأحكام زاجرةٍ ورادعةٍ تعيد الحقوق لصاحباتها وترد لهنّ الاعتبار على المستوييْن معًا: مستوى الدولة، وصعيد الأمة.

وعلى الصعيد التربوي والتعليمي، وفي الوسط المدرسي على الخصوص، بادرت وزارة التربية الوطنية، إلى تنفيذ إستراتيجيتها، لتطويق ظاهرة العنف بالوسط المدرسي، على الصعيد الجهوي، وذلك في إطار تنزيل برنامج العمل التربوي الإقليمي في شقه المتعلق بمناهضة الظاهرة وترسيخ السلوك المدني.

وقد كانت البداية من جهة الدار البيضاء ـ سطات، حيث نُظِّمت لقاءات تواصلية حول “مناهضة العنف بالوسط المدرسي“ بغاية مناقشة تجليات ومسببات العنف داخل فضاءات المؤسسات التعليمية، ومقاربة هذه الظاهرة من مستويات مختلفة.

ومن ضمن المحاور التي تم التطرق إليها تمكين الحياة المدرسية لتكريس “مدرسة المواطنة” من شروط ومسؤوليات ترسيخ السلوك المدني ومناهضة السلوكات اللاتربوية في المدرسة، وتحسين الحياة المدرسية من أجل الحد من ظاهرة العنف بالوسط المدرسي، واعتماد المقاربة النفسية للتقليص من آثارها. وقد تم الخروج من هذه اللقاءات بتوصيات تهم مجال مناهضة العنف داخل المؤسسات التربوية والتكوينية وفي محيطها، تجاه الجنسيْن معًا، وترسيخ السلوك المدني بمفهومه الشمولي.

وخلاصة القول، إن السبق والأولوية في محاربة ظاهرة العنف ضد النساء قد استأثرت بهما، بالوجوب، المنظومة التربوية والتعليمية، لأن البدء في حمل هذا العبء ينبغي أن يكون للتربية منطِقًا وبداهةً، ومن هذا المنطلق، تم التخطيط والبرمجة لشبكة من الإجراءات والتدابير العملية، كفتح موقع إلكتروني لمتابعة مختلف مستجدات الساحة التعليمية ووقائعها وأحداثها اليومية، وتخصيص قناة للاتصال الإلكتروني والرقمي لاستقبال رسائل التبليغ عن حالات العنف المسجلة داخل المدارس ومراكز التكوين وفي محيطها المباشر، وإنشاء خلايا للاستقبال والإنصات بغرض إعداد ملفات عن مختلف الحالات بهدف دعم الدراسات التي يتم إنجازها في هذا المضمار، وأيضًا للنظر في الحالات التي يقتضي الواجب عرضها على أنظار العدالة في إطار تفعيل القوانين والمساطر الجاري بها العمل في هذا المجال.

وعلى العموم، تسير التجربة المغربية في مجال محاربة ظاهرة العنف ضد المرأة بخطوات وئيدة ولكنها راسخة، وعيًا من الشريكيْن الكبيريْن، الدولة والأمّة، بجدارة نسائهما ورجالهما بالتمتع بنفس الحقوق، موازاةً مع التزامهما بنفس الواجبات، وهي الحقوق والواجبات التي ترتّبها المواطَنة الحق للعنصر المغربي بمختلف صفاته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: قاعة الانتظار، أرشيف مغرب التغيير / مصدر صورة الواجهة: جمعياتنا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى