Page 12 - مغرب التغيير PDF
P. 12

‫ملف ‪12‬‬

‫العدد‪ - 42 :‬من ‪ 1‬إلى ‪ 30‬يونيو ‪2015‬‬

                     ‫لأول مرة وبشكل غير مسبوق‬

 ‫مسودة مشروع القانون الجنائي المغربي توضع على أوسع‬
      ‫بساط للنقاش المهني والحقوقي والمجتمعي‬

‫دون أخرى‪ ...‬ليبقى السؤال مطرو ًحا في نهاية المطاف‪،‬‬                ‫نفع ع�ام‪ ،‬أو ُيقتطع ل�ه فيها ج�زء م�ن رات�ب�ه أو أجرته‬        ‫وك��ذا بم��ا أل��ح ع�ل�ي�ه م��ن واج��ب الال��ت��زام ب�الم�ع�اه�دات‬  ‫من الأكيد أن القانون الجنائي المغربي لم يسبق له‬
‫كما كان في بدايته‪ ،‬عن المرفأ الذي سترسو فيه سفينة‬                 ‫طوال مدة العقوبة‪ ،‬أو أي إجراء آخر يحل محل العقوبة‬                                                                                 ‫أن ُوضع مشرو ُع تعدي ِل ِه وتغييره أو تتميمه على مستوى‬
‫إص�لاح منظومة العدالة المغربية‪ ،‬التي يشكل القانون‬                 ‫السالبة للحرية‪ .‬وه�ذا من شأنه أن يخفف العبء عن‬                ‫والاتفاقيات الدولية الراعية لحقوق الإنسان كما هي‬                    ‫كل هذا الكم الهائل والواسع من التشا ُرك‪ ،‬ومن الإسهام‬
‫الجنائي المغربي إحدى دعاماتها الرئيسية‪ ،‬وفي الوقت‬                 ‫كاهل المالية العامة من جهة‪ ،‬ويحد من جهة ثانية من‬                                                                                  ‫الج�ام�ع لم�خ�ت�ل�ف أط�ي�اف ق�ط�اع� ْي ال�ع�دال�ة والم�ج�ت�م�ع‬
‫ذات��ه‪ ،‬إح��دى وس�ائ�ل�ه�ا ال�ك�ب�رى لتكريس م�ب�ادئ الح�ق‬         ‫ظاهرة الاكتظاظ التي تعاني منها المؤسسات السجنية‪،‬‬              ‫متوافق عليها عالم ًيا‪ ...‬كل ذلك‪ ،‬جعل القانون الجنائي‬                ‫المدني في ال�ت�داول بشأنه‪ ،‬اعتبا ًرا لأهميته القصوى‬
‫وال�ق�ان�ون وال�ع�دال�ة والح�ري�ة والم�س�اواة وتكافؤ الفرص‬        ‫وال�ت�ي تنتج عنها وح�ده�ا مشاكل ف�ي غ�اي�ة الصعوبة‬            ‫المغربي في صيغته السابقة متجاو ًزا وموسو ًما بالتقادم‪،‬‬              ‫ك�م�رآة عاكسة للسياسة الجنائية المغربية‪ ،‬وبوصفه‬
‫وال�ت�ش�ارك‪ ...‬كما نصت على ذل�ك أحكا ُم دستور ‪2011‬‬                ‫والخطورة‪ ،‬فضل ًا عن الحد من ظاهرة تصنيع المجرمين‬              ‫ب�ل وج�ع�ل ب�ع�ض مقتضياته م�خ�ال� ًف�ا لأح�ك�ام دس�ت�ور‬             ‫عنص ًرا مؤث ًرا في مختلف مجالات الحياة العامة‪ ،‬أو إن‬
‫وب�ن�ود الات�ف�اق�ي�ات ال�دول�ي�ة ال�ت�ي ص�ادق الم�غ�رب عليها‬     ‫الج�دد‪ ،‬التي تجعل بعض السجون والمعتقلات أشبه ما‬                                                                                   ‫شئنا القول‪ ،‬في مختلف جوانب حياة الدولة والأ ّم�ة‪،‬‬
                                                                                                                                ‫البلاد‪ ،‬مما يتعارض ومفهوم الدولة الحديثة‪ ،‬التي هي‬                   ‫س�واء منها السياسية‪ ،‬أو الاقتصادية أو الاجتماعية‬
                                     ‫والتزم باحترامها‪.‬‬                 ‫تكون بمراكز للتكوين في مجالا ِت إجرا ٍم مختلفة‪.‬‬                                                                              ‫أو الثقافية أو غيرها‪ ،‬لم�ا لقانون «الج�ريم�ة والعقاب»‬
‫وق�د حضر ه�ذه ال�ن�دوة الوطنية ك�ل م�ن الرئيس‬                      ‫والج�دي�ر ب��الإش��ارة‪ ،‬أن بعض م�ك�ون�ات المجتمعينْ‬                                           ‫دولة الحق والمؤسسات‪.‬‬               ‫من صلة وثيقة بحقوق وحريات الأشخاص‪ ،‬ومكافحة‬
‫الأول لمحكمة النقض الأستاذ مصطفى فارس‪ ،‬والوكيل‬                    ‫الحقوقي والم�دن�ي ع�اب�ت على الم�س�ودة احتفاظ بعض‬                                                                                 ‫الجريمة‪ ،‬وحماية المال العام‪ ،‬ورعاية حرمة الممتلكات‪،‬‬
‫ال��ع��ام ل�ل�م�ل�ك ب�ه�ا الأس��ت��اذ م�ص�ط�ف�ى م���داح‪ ،‬وم�دي�ر‬  ‫فصولها باصطلاحات أو تعبيرات فضفاضة قال البعض‬                  ‫ف��ي ه��ذا الإط���ار الم�ف�اه�ي�م�ي‪ ،‬ن�زل�ت وزارة ال�ع�دل‬           ‫ولما له من إسهام وازن في تحقيق الأمن والاستقرار في‬
‫ال��ش��ؤون الج�ن�ائ�ي�ة وال�ع�ف�و ب���وزارة ال�ع�دل والح�ري�ات‬    ‫إن من شأنها أن ُتستعمل للتضييق على الحريات‪ ،‬كتلك‬                                                                                  ‫ُبعد ْيهما الم�ادي والمعنوي‪ ،‬وف�ي ضمان اطمئنان الناس‬
‫الأس�ت�اذ محمد عبد ال�ن�ب�اوي‪ ،‬وم�دي�ر ال�ش�ؤون المدنية‬           ‫الم�ت�ع�ل�ق�ة ب�ت�ج�ريم إه�ان�ة الم�ق�دس�ات‪ ،‬ف�ي�م�ا رأى بعض‬  ‫والح�ري�ات ه�ذه الم�رة بكل ثقلها للدفع ب�اتج�اه تطوير‬               ‫على أرواحهم وأموالهم ومتاعهم وأهليهم في ظل إحكام‬
‫ب��ال��وزارة الأس�ت�اذ محمد نم�ي�ري‪ ،‬وع��دد م�ن ال�رؤس�اء‬         ‫آخ�ر أن هناك أم��و ًرا ينبغي أن ُيعاد النظر فيها بشكل‬
‫الأول�ني لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين بها ورؤساء‬             ‫جذري‪ ،‬مثل تجريم الإفطار جها ًرا في رمضان‪ ،‬وتجريم‬              ‫صيغة جديدة للقانون الجنائي المغربي بما يؤ ّمن ح ًّدا‬                                                 ‫الحق وسيادة القانون‪.‬‬
‫المحاكم الابتدائية ووك�لاء الملك بها‪ ،‬وجمع من النقباء‬             ‫الإجهاض‪ ،‬والتضييق على حرية الاعتقاد‪ ،‬بل رأى بعض‬               ‫كاف ًيا من التوافق ح�ول أساسياته‪ ،‬وأقدمت في سبيل‬                    ‫ولأن القوانين لا تكون إلا بمجتمعاتها‪ ،‬ولا تعيش‬
‫والمحامين والحقوقيين والناشطين الجمعويين والأساتذة‬                ‫ثالث أن المسودة لم تأت بجديد‪ ،‬بل حاولت الإبقاء على‬            ‫ذلك على تنازلات غير قليلة وغير ه ّينة بالمقارنة مع‬                  ‫وتستمر إل ّا من أجل ضبط وتنظيم العلاقات والمعاملات‬
‫الج�ام�ع�يي�ن‪ ،‬ك�م�ا ح�ض�رت�ه�ا م�ج�م�وع�ة م��ن ف�ع�ال�ي�ات‬       ‫ما هو كائن عن طريق تقديمه في طبق مختلف وبحلة‬                  ‫التوجهات الكبرى السابقة للسياسة الجنائية المغربية‪،‬‬                  ‫داخل مجتمعاتها‪ ،‬فمن المنطقي أن تشهد تلك القوانين‬
‫ال�ب�ح�ث العلمي المختصة والم�ه�ت�م�ة‪ ،‬وم�ن طلبة كليات‬             ‫جديدة‪  .‬وقد رد وزير العدل والحريات على بعض هذه‬                                                                                    ‫من التعديل والتغيير والتتميم ما يضمن تلاؤمها مع‬
‫الحقوق والمعهد العالي للقضاء‪ ،‬ومن مختلف الدارسين‬                  ‫الم�واق�ف بالتقليل م�ن أهميتها م�ن ال�ن�اح�ي�ة الكمية‪،‬‬        ‫ولكنها حافظت على نوع من التصلب أو التش ّدد يمكن أن‬                  ‫هذه المجتمعات‪ ،‬التي تشهد هي الأخرى تحولات دائبة‬
‫والمتتبعين‪ ،‬فضل ًا عن مسؤولات ومسؤولين من مختلف‬                   ‫وخاصة منها تلك التي ترفض تجريم الإفطار في رمضان‬               ‫يتف ّهم الم�رء دواف َعه وإرهاصا ِته‪ ،‬بخصوص موضوعات‬                  ‫ومستديمة في الزمان والمكان وفي الأح�وال تجعل تلك‬
                                                                  ‫والسكر العلني والعلاقات الجنسية خارج مؤسسة الزواج‪،‬‬            ‫معينة بالذات‪ ،‬كعقوبة الإعدام التي تستبعد الحكومة‬                    ‫ال�ق�وان�ني ف�ي أم�س الح�اج�ة ف�ي ك�ل م�رة إل�ى الم�زي�د من‬
                      ‫القطاعات الحكومية ذات الصلة‪.‬‬                ‫قائل ًا إن ه�ذه الم�واق�ف «لا تمثل ال�رأي العام الوطني»‪،‬‬
‫واق�ت�ص�ر ب�رن�ام�ج ال�ل�ق�اء ع�ل�ى ق���راءة ل��وزي��ر ال�ع�دل‬    ‫فضل ًا عن كونها تصدر من منطلق «إيديولوجي» (المساء‬             ‫ك�ل إمكانية للقبول بفكرة إلغائها نهائ ًيا م�ن قاموس‬                                                     ‫المراجعة والتحيين‪.‬‬
‫والح�ري�ات لمستجدات م�س�ودة القانون الجنائي المطروحة‬                                                                            ‫ال�ع�دال�ة المغربية؛ أو كاجتهادها ف�ي اج�ت�راح عقوبات‬               ‫م�ن ه�ذا المنطلق‪ ،‬وم�ن منطلق التغيير الج�وه�ري‬
‫ع�ل�ى ب�س�اط ال�ن�ق�اش‪ ،‬ب�ع�د ب�ي�ان الم�رت�ك�زات ال�ت�ي استندت‬                      ‫ـ العدد ‪ 2675‬بتاريخ ‪.)2015/05/07‬‬                                                                               ‫ال�ذي ج�اء ب�ه دس�ت�ور ‪ 2011‬إل�ى س� ّدة السلط الثلاث‪،‬‬
‫إليها التعديلات المقترحة وال�دواف�ع الكامنة وراءه��ا‪ ،‬وكذا‬        ‫وقد شكلت هذه الندوة الوطنية‪ ،‬التي نظمتها وزارة‬                ‫لجرائم لم تكن واردة في القانون الجنائي الموضوع حال ًيا‬              ‫التشريعية والتنفيذية والقضائية‪ ،‬وك�ذا إل�ى مجال‬
‫مرجعياتها والإطار العام الذي جاءت في نطاقه‪ ،‬وبعد ذلك‬              ‫العدل والحريات بالقاعة الكبرى بالمعهد العالي للقضاء‬           ‫قيد التنفيذ‪ ،‬كجريمة الالتحاق بالتنظيمات المصنفة‬                     ‫ال�س�ل�ط�ة ال�راب�ع�ة‪ ،‬ال�ت�ي ه�ي س�ل�ط�ة ال��رأي ال��ع��ام‪ ،‬بما‬
‫تم المرور مباشرة إلى تدخلات المشاركين الراغبين في الإدلاء‬         ‫في غرة شهر أبريل المنصرم‪ ،‬مناسبة لتتضارب الأفكار‬                                                                                  ‫ن�ص عليه م�ن استقلالية القضاء ع�ن ك�ل م�ن البرلمان‬
‫بآرائهم ووجهات نظرهم مسهمين بذلك في إث�راء النقاش‬                 ‫والمفاهيم وتتلاقح فيما بينها منمة في بعض الأحيان‬              ‫«إره�اب�ي�ة»‪ ،‬أو التجنيد وال�ت�دري�ب وال�ت�ك�وي�ن بهدف‬              ‫والحكومة‪ ،‬وبما دستره من الحق في الولوج إلى المعلومة‪،‬‬
‫الدائر‪ ،‬وانصب النقاش على مختلف المح�اور التي عالجتها‬              ‫عن ميل إل�ى التقارب بدافع المصلحة العامة‪ ،‬وم ّتسمة‬                                                                                ‫وك ّرسه من هامش أوسع وأرحب لحرية الرأي والتعبير‪،‬‬
‫فصول المسودة‪ .‬وكما هي العادة تستحضر «مغرب التغيير»‬                ‫ف�ي أح�ي�ان أخ��رى ب�ن�وع م�ن ال�ت�ص�ل�ب وال�ت�ش�دد بفعل‬      ‫الالتحاق بهذه التنظيمات سواء كانت أفعالها تستهدف‬                    ‫وبما أكد عليه من احترام واجب لمبدأي الحق والقانون‪،‬‬
                                                                  ‫توجهات فئوية أو إيديولوجية تخدم ميول ًا سياسية‬                                                                                    ‫وم�ن مراعاة ضرورية لمكانة الم�رأة والطفل في المجتمع‪،‬‬
 ‫أدناه أبرز اللحظات التي شهدتها هذه التظاهرة‪ ...‬لنتابع‪.‬‬                                                                         ‫المغرب أو أي دولة أخرى خارج حدوده؛ أو كجريمة ازدراء‬

                                                                                                                                ‫الأدي�ان والاستهزاء بالأنبياء والرسل أو الإس�اءة إليهم‬
                                                                                                                                ‫نط ًقا أو ك�ت�اب� ًة؛ وك�ذا ج�ريم�ة التعذيب‪ ،‬ال�ت�ي ارتفعت‬
                                                                                                                                ‫عقوبتها إلى ما بين ‪ 10‬و‪ 20‬سنة سج ًنا مع الغرامة؛ ثم‬

                                                                                                                                ‫جريمة التحرش الجنسي‪ ،‬التي نصت الم�س�ودة بشأنها‬
                                                                                                                                ‫على عقوبة ت�ت�راوح ب�ني سنة و‪ 3‬س�ن�وات وغ�رام�ة من‬

                                                                                                                                                             ‫‪ 5.000‬إلى ‪ 50.000‬درهم‪.‬‬
                                                                                                                                ‫ه�ذا‪ ،‬فضل ًا عن أشكال جديدة وغير مسبوقة من‬

                                                                                                                                ‫العقاب ج�اءت بها الم�س�ودة كالعقوبات البديلة‪ ،‬التي‬

                                                                                                                                ‫تقوم على استبدال العقوبات السجنية التي لا تتعدى‬

                                                                                                                                ‫مددها سنتينْ بفترات يقضيها المعاقب في خدمة ذات‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17