Page 12 - مغرب التغيير PDF
P. 12

‫‪12‬‬                                                           ‫ملف‬

‫العدد‪ - 49 :‬من ‪ 1‬إلى ‪ 29‬فبراير ‪2016‬‬            ‫ذة‪ /‬مليكة بامي رئيسة غرفة بمحكمة النقض المغربية‬

                                                    ‫أثر فقه القضاء في تطوير التشريع‬

‫اس�ت�ق�رار ه��ذا الاج�ت�ه�اد‪ ،‬س��واء على‬       ‫وقد يقتضي الحال تدخل محكمة‬                         ‫أح�ي�ان�ا أخ���رى ح�س�ب م���دى وض��وح‬          ‫خلال ظاهر النص أو مداه وهنا يظهر‬                        ‫الموضوع المقترح في هذه المداخلة‬
‫مستوى محكمة النقض نفسها‪ ،‬أو‬                    ‫النقض باجتهادها رغم حداثة النص‬                     ‫النص القانوني‪ ،‬وك�ذل�ك م�دى وج�ود‬              ‫ال�دور الدقيق لمحكمة النقض ليساير‬                       ‫ه��و «أث����ر ف�ق�ه ال��ق��ض��اء ف��ي ت�ط�وي�ر‬
‫على مستوى محاكم الموضوع‪ .‬وكثيرا‬                ‫القانوني‪ ،‬ومثال ذل�ك‪ ،‬التفسير الذي‬                 ‫م�ف�اه�ي�م ق�اب�ل�ة ل�ل�ت�ط�ور وال�ت�غ�ي�ر في‬  ‫التطور م�ن خ�الل س�د ال�ث�غ�رات التي‬
‫ما يطالعنا المشرع بتبني هذا الاجتهاد‬           ‫أعطته محكمة النقض للفصل ‪ 109‬من‬                     ‫الزمان والمكان‪ ،‬لغاية ضمان استقرار‬             ‫تنتاب النصوص القانونية وملاءمتها‬                             ‫الاجتهاد أو في تطوير التشريع»‪.‬‬
‫م��ن خ�ل�ال ال�ن�ص ال�ق�ان�ون�ي‪ ،‬وب�ذل�ك‬       ‫ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬وهو قانون‬                    ‫المعاملات‪ ،‬وحماية الأوض�اع القائمة‪،‬‬            ‫م��ع ج�زئ�ي�ات ال��واق��ع وك��ذل��ك تطوير‬               ‫أسست محكمة النقض بمقتضى‬
‫ي�ص�ب�ح ال�ق�ض�اء م��ص��درا م��ادي��ا من‬       ‫حديث لأن�ه خلق إشكالية بكونه ورد‬                   ‫وكذا حماية الحقوق المكتسبة للأفراد‬             ‫التشريع ليساير تطور الأوضاع التي‬                        ‫ظهير‪ 27‬شتنبر ‪ 1957‬لممارسة عملها‬
‫مصادر القانون‪ ،‬مما يحقق فيه صفة‬                ‫ع�ل�ى ع�م�وم�ي�ت�ه‪ ،‬ف�ي ح�ني أن محكمة‬                                                             ‫وض�ع أص�ال لتنظيمها ‪ ،‬وه�ي آليات‬                        ‫ع�ل�ى ق�م�ة ال�ه�رم ال�ق�ض�ائ�ي الم�غ�رب�ي‪،‬‬
‫الإلزام‪ ،‬كما يكشف بالتالي عن التفاعل‬           ‫ال�ن�ق�ض وض�ع�ت ل��ه ح���دا‪ ،‬وح�ص�رت‬                                          ‫والجماعات‪.‬‬          ‫ناتجة عن قصور ومحدودية التشريع‬                          ‫وذل��ك ف�ي إط��ار ال�ص�الح�ي�ات المخولة‬
                                               ‫تطبيق هذا الفصل فيما يعني النزاعات‬                 ‫ولعل ما ينص عليه الفصل ‪427‬‬                     ‫الناتجين عن صفتي التعميم والتجريد‬                       ‫لها بمقتضى الظهير الم�ذك�ور‪ ،‬وكذلك‬
       ‫الإيجابي بين المشرع والقضاء‪.‬‬            ‫التي تحدث في مرحلة ما قبل تأسيس‬                    ‫من قانون الالتزامات والعقود‪ ،‬يعتبر‬             ‫الم�الزم�ت�ني ل�ل�ت�ش�ري�ع‪ ،‬ك��ل ه��ذا جعل‬              ‫ف��ي إط���ار ال�ص�الح�ي�ات الم�خ�ول�ة لها‬
‫ومظاهر تأثير الاجتهاد القضائي‬                  ‫الرسم العقاري‪ ،‬دون التي تعني مرحلة‬                 ‫نموذجا حيا لحركية الاجتهاد القضائي‬             ‫اجتهاد قضاء النقض بمناسبة تطبيقه‬                        ‫بم�ق�ت�ض�ى ق��ان��ون الم�س�ط�رة الم�دن�ي�ة‪،‬‬
‫على الم�ش�رع م�ت�ع�ددة ف�ي ب�الدن�ا‪ ،‬ولا‬       ‫م�ا بعد التقييد‪ ،‬وال�ت�ي تعني مرحلة‬                ‫أمام سكون القاعدة القانونية‪ .‬فمفهوم‬            ‫للقانون أم�را مطلوبا وض�رورة ملحة‬                       ‫الذي حدد الأسباب الواجب اعتمادها‬
‫ن�ن�س�ى ج�م�ي�ع�ا ال�ت�ع�دي�ل ال���ذي ط�ال‬     ‫التقييد‪ ،‬على تأسيس الرسم بالرغم‬                    ‫كلمة أو عبارة «أمي» عرف تطورا على‬              ‫لضمان استمرار التشريع ومواكبته‬                          ‫للطعن بالنقض في الأحكام القضائية‪.‬‬
‫ال�ف�ص�ل ‪ 264‬م�ن ق�ان�ون الال�ت�زام�ات‬         ‫من أن الموضع الذي وضع فيه النص‪،‬‬                    ‫ي�د ال�ق�ض�اء‪ ،‬انطلق م�ن ك�ون «الأم��ي»‬                                                                ‫وبالنظر لطبيعة الوظيفة التي تقوم‬
‫وال�ع�ق�ود‪ ،‬ال��ذي أس��س ع�ل�ى اجتهاد‬          ‫وه�و ق�د ج�اء ضمن مقتضيات عامة‪،‬‬                    ‫ه�و ال�ذي لا يعرف ال�ق�راءة والكتابة‪،‬‬                              ‫لتطورات المجتمع‪.‬‬                    ‫بها محكمة النقض سواء على مستوى‬
‫ق�ض�ائ�ي ج����ريء م��س م��ب��دأ س�ل�ط�ان‬       ‫يوحي وك�أن الأم�ر يعني ك�ل الأحكام‬                 ‫إلى كونه من لا يعرف اللغة التي حرر‬             ‫وبالنظر لجسامة الدور الذي يقع‬                           ‫التشريع المنظم لهذه المؤسسة‪ ،‬أو على‬
‫الإرادة وال�ق�وة الم�ل�زم�ة للعقد بغاية‬                                                           ‫بها العقد‪ ،‬وم�ر بم�راح�ل متعددة من‬             ‫ع�ل�ى ك�اه�ل ق�اض�ي ال�ن�ق�ض بمناسبة‬                    ‫مستوى الجانب العملي الذي أتيحت‬
‫تحقيق ال�ت�وازن العقدي باسم العدل‬                  ‫بمفهوم الفصل الأول من الظهير ‪.‬‬                 ‫حيث الإث�ب�ات إل�ى أن انتهى إل�ى أن‬            ‫ملاءمته وتطويره للتشريع على اعتبار‬                      ‫لي فرصة مباشرته‪ ،‬يمكن القول إنه‬
‫والإن�ص�اف‪ .‬فهذا الاجتهاد رغ�م قدمه‬            ‫ك�م�ا ك��رس ال�ق�ض�اء ع��دم قابلية‬                 ‫من لا يعرف القراءة والكتابة لا يمكن‬            ‫أن الأمر لا يتهيأ بمجرد إبداء رأي بناء‬                  ‫ب�إم�ك�ان ال�ع�م�ل بم�ح�ك�م�ة ال�ن�ق�ض أن‬
‫في الزمن ظل عنوانا عريضا لتأثير‬                ‫الأحكام للتقادم على اعتبار أن الأحكام‬              ‫إدراج�ه ضمن مقتضيات الفصل ‪427‬‬                  ‫عن قناعة شخصية‪ ،‬وإنما هو تكليف‬                          ‫لا يختلف م�ن ح�ي�ث الم�ب�دأ م�ع باقي‬
                                               ‫لا يمكن أن يجردها من حجيتها سوى‬                    ‫في الحالة التي يثبت فيها أنه على علم‬           ‫يرقى بقاضي النقض إل�ى أن يجعله‬                          ‫الم�م�ارس�ات ال�ق�ض�ائ�ي�ة ع�ل�ى مستوى‬
   ‫الاجتهاد القضائي في عمل المشرع‪.‬‬             ‫ال�ط�ع�ن ف�ي�ه�ا ب�س�ل�وك ط���رق ال�ط�ع�ن‬          ‫بمضمون الوثيقة‪ .‬وف�ي ه�ذا الإط�ار‪،‬‬                                                                     ‫محاكم الموضوع‪ ،‬التي لها خصوصية‬
‫كما أن حصر أجل سقوط الشفعة‬                                                                        ‫هناك قرار حديث ارتقى في إطار هذا‬                              ‫المشر َع للقانون المطبق‪.‬‬                 ‫ت�ط�وق�ه�ا م��ن ح�ي�ت ط�ب�ي�ع�ة ال�ع�م�ل‪،‬‬
‫في أربع سنوات بالنسبة للعقار غير‬                                            ‫القانونية‪.‬‬            ‫التطور إلى أن قرينة العلم كذلك تعتبر‬           ‫ول�ه�ذا ف�إن ذل�ك يحمله مسؤولية‬                         ‫وتتجلى ه�ذه الخصوصية أولا‪ :‬في‬
‫المح�ف�ظ م�ن ت�اري�خ إب���رام ال�ع�ق�د‪ ،‬هو‬     ‫وع�ل�اق��ة ب��ه��ذا الم���وض���وع ك�ذل�ك‪،‬‬          ‫ويعتد بها لمواجهة من يدعي‪ ،‬ونحن‬                ‫ل��ي��س��ت ب��ال��س��ه��ل��ة أث���ن���اء م�ل�اءم��ت��ه‬  ‫كونها محكمة قانون‪ ،‬وثان ًيا‪ :‬في كون‬
‫ك�ذل�ك اج�ت�ه�اد س�ي�ق ب�ن�اء ع�ل�ى رأي‬        ‫اج�ت�ه�دت م�ح�ك�م�ة ال�ن�ق�ض بغرفتين‬               ‫نعرف أن الفصل ‪ 427‬هو من الفصول‬                 ‫للنصوص القانونية بغاية الاجتهاد‪،‬‬                        ‫المجال والموضوع التي تنظر فيه هو‬
‫فقهي ضعيف مسايرة للعصر وتحقيقا‬                 ‫وأعطت تفسيرا لمدى أثر الفصل ‪428‬‬                    ‫التي تخلق إش�ك�الا وتم�س باستقرار‬              ‫حيث أن��ه يتعين عليه أن يستحضر‬                          ‫الحكم القضائي‪ ،‬وثال ًثا‪ :‬أن الآلية التي‬
‫للعدالة‪ ،‬كما يعد ما طالعتنا به المادة‬          ‫من قانون المسطرة المدنية الذي ينص‬                  ‫المعاملات‪ ،‬لذلك ك�ان على القضاء أن‬             ‫أث���ن���اء م�ل�اءم��ت��ه ل���ه���ذه ال��ن��ص��وص‬       ‫تعمل بها محكمة النقض هي قانونية‬
‫الأولى من مدونة الحقوق العينية التي‬            ‫على أن الأح�ك�ام تكون قابلة للتنفيذ‬                                                               ‫القانونية مجموعة من الآل�ي�ات‪ .‬فهو‬
‫حددت الترتيب الواجب اعتباره بشأن‬               ‫على مدى ثلاثين سنة وبعد ذلك يسقط‬                           ‫يتطور ليواجه هذه الإشكالية‪.‬‬            ‫م��ل��زم ب�اس�ت�ح�ض�ار أس��ب��اب ال�ن�ص‪،‬‬                                               ‫محضة‪.‬‬
‫ال�ق�ان�ون ال�واج�ب التطبيق بالنسبة‬            ‫تنفيذها‪ .‬ففي ه�ذا الإط���ار‪ ،‬اجتهدت‬                ‫ك�ذل�ك‪ ،‬وف�ي نفس السياق‪ ،‬ف َّعلت‬               ‫كما أن�ه ملزم بالانفتاح على الغايات‬                     ‫وبالرجوع إلى مقتضيات الفصل‬
‫ل�ل�ن�زاع�ات ال�ع�ق�اري�ة‪ ،‬ه�ذا ك�ذل�ك‪ ،‬كان‬    ‫محكمة النقض واع�ت�ب�رت أن سقوط‬                     ‫محكمة النقض قرينة العلم‪ ،‬لأن هذا‬               ‫التي توخاها المشرع من وضع النص‬                          ‫‪ 359‬من قانون المسطرة المدنية المحدد‬
‫أس��اس��ه ع�م�ال ق�ض�ائ�ي�ا تم�خ�ض عن‬          ‫الحكم بمرور أجل ثلاثين سنة لا يمنع‬                 ‫النوع من المبادئ كقرينة العلم وغيرها‬           ‫ال�ق�ان�ون�ي‪ ،‬المعلنة منها والم�ض�م�رة‪،‬‬                 ‫لأسباب الطعن بالنقض في القضايا‬
‫الج���دل ال���ذي ع��رف��ه ت�ط�ب�ي�ق ال�ف�ص�ل‬   ‫المحكوم عليه من الطعن فيه إذا لم يب َّلغ‬           ‫هي التي يتدخل من خلالها القضاء في‬              ‫لأنه أحيانا تكون الأسباب غير معلن‬                       ‫الم�دن�ي�ة‪ ،‬يمكن ال�ق�ول إن�ه وإن وردت‬
 ‫الثالث من قانون «المغربة والتوحيد»‪.‬‬           ‫وفق القانون ولم يلزمه أجل الطعن في‬                                                                ‫عنها ولكنها مضمرة‪ ،‬وعلى القاضي‬                          ‫الأس��ب��اب ب��ه��ذا ال�ف�ص�ل ع�ل�ى سبيل‬
‫ويعد مضمون الم��ادة الثانية من‬                                                                                                  ‫اجتهاده‪.‬‬         ‫أن يبحث في كل ذلك‪ ،‬كما يتعين عليه‬                       ‫الحصر‪ ،‬وعلى سبيل التعداد‪ ،‬فإنها‬
‫مدونة الحقوق العينية من الاجتهادات‬                                            ‫الأحكام‪.‬‬            ‫وق�د فعلت محكمة النقض كذلك‬                     ‫أن يبحث في الأعمال التحضيرية لس ّن‬                      ‫في الحقيقة قابلة لأن ُت َط َّو َر و ُتستع َمل‬
‫ك��ذل��ك‪ ،‬وإن ك���ان م��ص��دره ق�ض�ائ� ًي�ا‬    ‫كما أن اج�ت�ه�اد محكمة النقض‬                       ‫قرينة العلم بمناسبة وضع حد لبعض‬                ‫ال�ن�ص ال�ق�ان�ون�ي‪ ،‬وك�ذل�ك المناقشات‬                  ‫لاستيعاب التطور الذي يلاحق المجتمع‬
‫بصورة جزئية‪ ،‬فالقضاء قبل صدور‬                  ‫قد يتجاوز ما تتضمنه العرائض إلى‬                    ‫الإشكاليات التي يطرحها تطبيق بعد‬               ‫البرلمانية التي تواكبه‪ ،‬كل ذل�ك‪ ،‬دون‬                    ‫من جميع جوانبه‪ ،‬ذلك أنه خاصة وأن‬
‫المدونة كان لا يعتد بحسن نية الغير‬             ‫إث�ارة بعض الأم�ور التلقائية بالرغم‬                ‫الفصول‪ ،‬وبذلك أخ�ذت بقرينة العلم‬               ‫أن ننسى‪ ،‬وهذا هو الشيء المهم والذي‬                      ‫هذا التطور واج�ب الاعتبار من طرف‬
‫في الحالة التي يكون فيها سند سلفه‬              ‫م�ن أن��ه ق�د ي�ب�دو أن الأم��ر لا يتعلق‬           ‫ف�ي م�واج�ه�ة ب�ع�د الأق����ارب بمناسبة‬        ‫يعتبر قاسما مشتركا في كل موضوع‪،‬‬                         ‫أعلى مؤسسة قضائية موكول لها ذلك‪،‬‬
                                               ‫بالنظام العام‪ ،‬ولكن تكون غاية محكمة‬                ‫تطبيقها للفصل ‪ 66‬من ظهير التحفيظ‬               ‫الآراء الفقهية والاجتهادات القضائية‬                     ‫باعتبارها هي المحكمة التي تقع على‬
                                 ‫مزورا‪.‬‬        ‫النقض هي وضع حد لبعض الأخطاء‬                                                                      ‫التي لها ارتباط بهذا النص القانوني‪.‬‬                     ‫عاتقها مراقبة حسن تطبيق وتفسير‬
‫هناك كذلك اجتهادات كثيرة صدرت‬                  ‫القانونية‪ ،‬التي من شأنها أن تكرس‬                                                 ‫العقاري‪.‬‬         ‫واج��ت��ه��اد م�ح�ك�م�ة ال��ن��ق��ض ف�ي‬                 ‫ال�ق�ان�ون‪ ،‬وعلى عاتقها كذلك توحيد‬
‫عن القضاء قبل صدور مدونة الشغل‪،‬‬                ‫على مستوى المحاكم الأخ�رى‪ .‬وهكذا‬                   ‫ك�م�ا أن ال��ق��ض��اء‪ ،‬ورغ���م س�ك�وت‬          ‫ه�ذا السياق متعدد ومتطور‪ ،‬أحيانا‬                        ‫الاج�ت�ه�ادات‪ ،‬التي تعتبر مظهرا من‬
‫لأن�ن�ا ن�ع�رف أن م��دون��ة ال�ش�غ�ل قبل‬       ‫أث��ار ْت محكمة النقض تلقائيا خرق‬                  ‫المشرع عن بطلان الدعاوى التي يكون‬              ‫مختلف‪ ،‬بحسب اخ�ت�الف المواضيع‬                           ‫مظاهر الأمن القضائي‪ ،‬الذي يعد مبدأ‬
‫ص�دوره�ا كانت هناك قوانين مشتتة‪،‬‬               ‫محكمة الموضوع للفصل ‪ 99‬من قانون‬                    ‫موضوعها الالتزامات الباطنية‪ ،‬نجد‬               ‫وال�ن�ص�وص القانونية المنظمة لها‪،‬‬                       ‫دس�ت�وري�ا‪ ،‬كما نعلم جميعا‪ ،‬يرتبط‬
‫وبها ثغرات‪ ،‬والعمل القضائي أصدر‬                ‫الم�س�ط�رة الم�دن�ي�ة ال����وارد ف��ي ال�ب�اب‬      ‫أن�ه (أي ال�ق�ض�اء) أق�ر إمكانية الدفع‬         ‫ويزداد ذلك الاجتهاد اتساعا ويضيق‬
‫الكثير‪ ،‬وسد الثغرات‪ ،‬ولاءم‪ ،‬وط� َّور‪،‬‬          ‫المتعلق بالطعن بالزور الفرعي‪ ،‬الذي‬                 ‫بتقادم ه�ذه ال�دع�اوى ودائ�م�ا حماية‬                                                                          ‫ارتباطا وثيقا بالأمن القانوني‪.‬‬
‫ولما ص�درت المدونة اعتمدت مجموعة‬               ‫ك�ان�ت المح�اك�م إزاءه ت�وق�ف ال�ب�ت في‬                                                                                                                   ‫ولا ش�ك أن مهمة ق�اض�ي النقض‬
‫من المبادئ‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬ما أتى‬           ‫الدعوى الأصلية في انتظار صيرورة‬                         ‫لاستقرار المعاملات وضمانه لها‪.‬‬                                                                    ‫بم�ن�اس�ب�ة ت�ط�ب�ي�ق�ه ل�ل�ق�ان�ون‪ ،‬ليست‬
‫به الفصل ‪ ،16‬الذي أعتبر أنه لتحديد‬             ‫الح��ك��م ف��ي ج��زئ��ه ال��ب��ا ّت ف��ي ال���زور‬                                                                                                         ‫ب��الأم��ر ال�ه�ني ال�س�ه�ل‪ ،‬ف�ه�ي تتطلب‬
‫طبيعة ال�ع�ق�د ي�ع�ت�د بطبيعة العمل‬            ‫إل�ى أن يصبح نهائيا‪ .‬وه��ذا تفسير‬                                                                                                                         ‫بالإضافة إلى التكوين القانوني الرفيع‬
‫ونوعية العقد‪ ،‬كذلك الفصل ‪ 18‬الذي‬               ‫خ��اط��ئ ل�ل�ف�ص�ل ‪ 99‬رغ���م أن ال��ن��زاع‬                                                                                                                ‫وال�ش�م�ول�ي للقضاة الم�ب�اش�ري�ن لهذه‬
‫سمح بإثبات عقد الشغل بكافة وسائل‬               ‫ع�رض على محكمة النقض ف�ي إط�ار‬                                                                                                                            ‫المهمة‪ ،‬تمتعهم بحنكة في الممارسة‪،‬‬
‫الإث�ب�ات‪ ،‬وكذلك الفصل ‪ ...63‬والعدد‬            ‫آخ�ر‪ ،‬لما لاحظنا أن ذلك أصبح يتكرر‬                                                                                                                        ‫وبملكة وبحس قانوني‪ .‬ومن شأن هذه‬
                                               ‫وأصبحت المح�اك�م تعتمد ه�ذا‪ ،‬وفيه‬                                                                                                                         ‫الأشياء أن تمكنهم من إيجاد الحلول‬
                                  ‫كثير‪.‬‬        ‫مساس بنجاعة القضاء‪ ،‬وفيه ضياع‬                                                                                                                             ‫القانونية الملائمة للنزاعات المعروضة‬
‫إذ ْن‪ ،‬فتأثير الاج�ت�ه�اد القضائي‬              ‫للوقت‪ ،‬في حين أنه كان الأمر أن ُيبت‬                                                                                                                       ‫في إطار القوانين القائمة‪ ،‬وكذلك من‬
‫على الم�ش�رع ه�و كبير ومتعدد‪ ،‬ولكن‬             ‫في النزاع وديمومته وأن تطلق بشأنه‬                                                                                                                         ‫شأن هذه المؤهلات أن تجعل إنتاجهم‬
‫بشرط طبيعة الحالة التي يكون فيها‬                                                                                                                                                                         ‫في باب الاجتهاد قو ًيا ومط ْم ِئ ًنا إليه‪،‬‬
‫ق�و ًي �ا وف��ي الم�س�ت�وى الم�ط�ل�وب ال�ذي‬                    ‫طرق الطعن القانونية‪.‬‬                                                                                                                      ‫وهذه أمور لن تتأتى دون استحضار‬
                                               ‫وأث�ي�رت ك�ذل�ك مقتضيات الفصل‬                                                                                                                             ‫ق��اض��ي ال�ن�ق�ض بم�ن�اس�ب�ة اج�ت�ه�اده‬
               ‫يرفعه إلى درجة معينة‪.‬‬           ‫‪ 25‬من ظهير التحفيظ العقاري‪ ،‬التي‬                                                                                                                          ‫لمختلف المبادئ الدستورية‪ ،‬ومختلف‬
‫ختاما‪ ،‬يمكن ال�ق�ول إن�ه بقدر ما‬               ‫تعطي للمحكمة صلاحية تحديد الجزء‬                                                                                                                           ‫المفاهيم ال�ت�ي أصبحت س�ائ�دة‪ ،‬كما‬
‫يعتبر الاجتهاد القضائي مطلبا ملحا‬              ‫الم�ت�ع�رض ع�ل�ي�ه ف��ي الح��ال��ة ال�ت�ي لا‬                                                                                                              ‫يشكل ذلك مطلبا مشروعا لكل مخا َطب‬
‫لمسايرة مستجدات الواقع الراهن فإنه‬             ‫يقوم المحافظ فيها بذلك‪ .‬ونلاحظ أن‬                                                                                                                         ‫بتطبيق القانون‪ ،‬ولكل حقوقي متتبع‬
‫م�ش�روط بالثبات والاس�ت�ق�رار‪ ،‬ولعل‬            ‫المحكمة لا تفعل ذلك‪ ،‬ولكن رغم أهميته‬
‫إدماجه في القاعدة القانونية يحقق‪:‬‬              ‫يغفل عنه‪ .‬لذلك هذه من جملة الأشياء‬                                                                                                                                                        ‫ومهتم‪.‬‬
‫أولا تأكيد جودته‪ ،‬وثان ًيا‪ ،‬يحقق حماية‬         ‫التي أثارتها‪ ،‬وهنالك أمور كثيرة تتم‬                                                                                                                       ‫نعلم أن القانون فعلا هو أسمى‬
‫حقيقية للأمن القانوني‪ .‬إلا أن ذلك لا‬           ‫إثارتها‪ ،‬والغاية منها هي الحفاظ على‬                                                                                                                       ‫تعبير عن إرادة الأم�ة‪ ،‬وه�ذا لا نقاش‬
‫يعتبر نهاية‪ ،‬إ ِذ التفاعل بين المشرع‬           ‫نج�اع�ة ال�ق�ض�اء‪ ،‬ووض��ع ح�د لبعض‬                                                                                                                        ‫فيه‪ ،‬ولكن المفروض في هذا القانون أن‬
‫والقضاء هو مستمر وم�الزم لدواعي‬                ‫الأخطاء القانونية التي ُت َك َّرس وتصبح‬                                                                                                                   ‫يحمل في طياته الحق والعدل‪ ،‬ويحقق‬
‫الاجتهاد‪ ،‬ال�ذي يعتبر من ضروريات‬                                                                                                                                                                         ‫الأم��ن‪ ،‬م�ن خ�الل الج��ودة‪ ،‬وم�ن خلال‬
‫الحياة القانونية‪ ،‬التي تحقق للتشريع‬                                    ‫وكأنها صائبة‪.‬‬                                                                                                                     ‫الاس�ت�ق�رار‪ ،‬وم��ن خ�ل�ال ال�ت�وق�ع‪ .‬لكن‬
‫الاس��ت��ق��رار والاس��ت��م��راري��ة ف��ي نفس‬  ‫ولا ش�ك أن إف���راز ق�ض�اء النقض‬                                                                                                                          ‫أحيانا قد لا يتأتى تحقيق هذا الأمن من‬
                                               ‫لاج�ت�ه�اد ق��وي وع����ادل ك��اف لضمان‬
                      ‫الوقت‪ ...‬وشكرا‪.‬‬
   7   8   9   10   11   12   13   14   15   16   17